JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

recent
عاجل
الصفحة الرئيسية

الحكمدار.. سر عبد الباسط حمودة


يُقال عنه حكمدار الأغنية الشعبية، ويسمّي نفسه "وحش الأغنية" على طريقة فريد شوقي "وحش الشاشة"، يعتز بنفسه وصوته، وفي لقاءاته وجلساته حين يتحدث عن الأصوات وباقي المطربين أيًا كانوا، تشعر وكأنه لا يرى إلا نفسه، هو نفسه لا يعترف أن هناك مطربًا جاء على وجه الأرض ينافسه في مساحات صوته، لم يقر ولو لحظة بعكس ذلك. سأله مرة أحد المحاورين: هل أنت مغرور؟.. فأجاب ببساطة: "الغرور هو الهبوط.. لكن قل لي إنت: مين يقدر عليا؟"، ثم غنّى واحدة من أجمل أغانيه: "اللي يزعل يزعل.. أنا مش مسئول عن حد".

باختصار، هذا هو عبد الباسط حمودة، واحد من نجوم الأغنية الشعبية في مصر، فإذا أردنا أن نعدّد نجومها ونقول: محمد عبد المطلب، ومحمود شكوكو وعبد العزيز محمود ومحمد طه وشفيق جلال والريس متقال ومحمد رشدي وشريفة فاضل وغيرهم، سيكون عبد الباسط أول اسم يتبادر إلى ذهنك ضمن قائمة طويلة جاءت بعد هذه الأسماء الكبيرة، لترث عرش الأغنية الشعبية، مع أحمد عدوية وحسن الأسمر وكتكوت الأمير وشعبان عبد الرحيم، وعبد الباسط بالفعل ينتمي إلى هؤلاء، فهم نفس جيله ونفس همومه ونفس طريقته ولونه وأدائه، وكان منافسهم الأول في الفنادق والكازينوهات في فترة الثمانينيات والتسعينيات، وإن كان عدوية يسبق هذا الجيل في الانتشار والنجاح الإعلامي بسنوات ضوئية، لكن خرج عدوية وزملاؤه من الساحة، وظل عبد الباسط حمودة متربعًا على عرش الأغنية الشعبية حتى الآن رغم صعود أجيال جديدة بأفكار جريئة ومختلفة على مستوى الكلمة واللحن وحتى الأدوات الموسيقية، وأحدثوا نقلة حقيقية في إيقاع الأغنية الشعبية، لكن تهاوت جميعًا واختفوا فجأة كما ظهروا، وبقي عبد الباسط كما هو من فترة لأخرى، يعود إلى المشهد كمعلم كبير، ليعطي درسًا ويذكّر هؤلاء بأن "الأغنية الشعبية لها أصول" كما يقول، وأنها لن تتراجع أمام هذه الظواهر الغنائية والـ"تنطيط والتخبيط" على حد تعبيره، فهو يعرّف الأغنية الشعبية تعريفًا بسيطًا بالغ الدلالة.. وهي أنها: " كلام ولاد البلد اللي يسلّطن".

فمن هو عبد الباسط حمودة.. وكيف نشأ؟ ومن الذي اكتشفه؟ وكيف يختار كلمات أغانيه وهو لا يقرأ ولا يكتب؟ وكيف جرؤ على تعديل لحن أهداه بليغ حمدي له؟.. ولماذا يعتبر نفسه أنجح مطرب شعبي في تاريخ مصر؟.. ولماذا قال: "السمّيعة خلاص ماتوا!"؟

أصوله تعود إلى قرية هورين بمركز بركة السبع بالمنوفية، لكنه عاش وتربى في منطقة الدرب الأحمر بالقاهرة، هذه المنطقة التاريخية العريقة التي شهدت نشأة أعلام الفن المصري مثل بديع خيري ومحمود المليجي ومحمود شكوكو وشفيق جلال، ونوابغ تلاوة القرآن كالشيخ محمد رفعت والشيخ عبد الفتاح الشعشاعي، وكان لمنطقة الدرب الأحمر الفضل الأول على الطفل عبد الباسط حمودة الذي عاش بين سلاطين الغناء والتلاوة والإنشاد، فكان والده مدّاحًا في منطقة الحُسين، ورث عنه الموهبة وأصول الشغلانة، وعمل لفترة طويلة مع والده وأعمامه كمدّاح للنبي منذ الطفولة، حتى صادف المطرب الشعبي شفيق جلال، الذي أخذه من يده إلى شارع محمد علي ليتعرف هناك على أسطوات الغناء الشعبي مثل أنور العسكري الذي يعتبره عبد الباسط حمودة أستاذه الأول.

قال "حمودة": "كنت قاعد بغني وأنا عيل عندي 12 سنة كده في شارعنا، فشافني شفيق جلال، وعم شفيق ابن حتتنا من بيت العزاوي في الدرب الأحمر، فقاللي خد ياض تعالى إنت صوتك حلو، ووداني بقى شارع محمد علي وشفت هناك عبد المطلب وأنور العسكري وعايدة الشاعر وليلى نظمي وكل النجوم اللى القلب يحبهم، هما دول اللي اكتشفوني وخلوني اتجه بقى للغناء وآخد السكة دي واتعلمت منهم أصول الغناء".

ظل عبد الباسط لسنوات يغني في شارع محمد علي، ثم بدأ مشواره في عالم الأفراح والكازينوهات وأصبح أحد أعلامها مع عدوية وكتكوت الأمير وحسن الأسمر وأشرف المصري ومحمود سعد وشعبان عبد الرحيم، وكان يغني لكبار المطربين مثل شفيق جلال، وأنور العسكري ومحمد عبد المطلب ومحمد طه ومحمد قنديل وأغاني أم كلثوم، حتى جاءه الحاج عمر إبراهيم صاحب شركة صوت الطرب، وأنتج له أول ألبوم "بين القصرين"، والذي تعاون فيه مع عدد من الشعراء مثل سمير الطائر، وأمل الطائر، وملحنين كمهدي خميس وعبد السلام حنفي، وأحدث الألبوم نقلة في مشوار عبد الباسط حمودة الذي تحول إلى نجم له اسمه في عالم الطرب.

كان اسم عبد الباسط معروفًا قبل هذا الألبوم، حيث شارك بالغناء في فيلم "أرزاق يا دنيا" مع نور الشريف، وهو تأليف وحيد حامد وإخراج نادر جلال، واختاره نادر جلال ككومبارس يردد ككورال وراء سعيد صالح في مشهد غناء بأحد الكباريهات، لكن أضاف له نور الشريف مشهدًا يظهر فيه خلال أحداث الفيلم وهو يسرق تسجيلًا من إحدى السيارات.

تألق نجم عبد الباسط بعد هذا الألبوم، وكان على الجانب الآخر ينافسه شعبان عبد الرحيم بأغنية "كداب يا خيشة" التي كانت بلغة اليوم "تريند" مصر، وكذلك حسن الأسمر بأغنيته "عليل أنا يا تمر حنة"، لكن واصل عبد الباسط نجاحه بأغاني رائجة كان يصدرها كل عام مثل "مولد يا دنيا" و"حقك عليا" و"آه من الزمان" و"قدري".. واشتعلت المنافسة مع ظهور مطربين آخرين مع مرور الوقت، كمجدي طلعت صاحب أغنية "اللي عايزني يجيني" ومجدي الشربيني وأشهر أغنياته "المسامح كريم" و"أهل الغرام" ورمضان البرنس، لكن اختفى الجميع، خصوصًا الأخير الذي توفى فجأة سنة 1998 إثر حادث سيارة مع عائلته.

وفي التسعينيات بدأت موجة جديدة من الغناء الشعبي تجمع ما بين مدرسة عدوية، ومدرسة حميد الشاعري، وكان علي حميدة هو المطرب الذي أطلق حميد الشاعري من خلاله هذه الموجة الجديدة بأغنية "لولاكي" التي استعان فيها بالفولكلور البدوي، وانطلق بعدها عدد من المطربين الشعبيين الذين بزغ نجمهم في هذه الفترة كحكيم، وظل عبد الباسط كما هو، واثق بنفسه، لا يهزه أحد، يعمل بدأب، يختار الكلمة واللحن بعناية تامة، فهو يعرف جمهوره، وجمهوره يعرفه وينتظره.

وعبر هذه الرحلة الطويلة من المنافسة، ومن ظهروا ومن اختفوا، قال عبد الباسط عن نفسه، إنه نموذج يُدرس في النجاح، فتعريف النجاح بالنسبة له هو "الاستمرار"، يقول: "النجاح هو الاستمرارية.. مش أعمل أغنية في دقيقتين وتنجح وبعدين مظهرش تاني".

كيف يختار عبد الباسط حمودة أغنياته رغم أنه لا يقرأ ولا يكتب؟

كلمات مثل: "ياللي إنت معاك المال والأيام ضحكتلك.. والدنيا رضيت عليك والكترة إدتلك.. حاسب من الأيام الدنيا مش دايمة.. لو كانت دامت لغيرك مكانتش وصلتلك"، أو كلمات مثل" يا دنيا طفيتى شمعى.. يا ناس كترتوا دمعى.. والعمر راح هدر.. كتبت الآه بألمى.. كسرتوا سن قلمى.. وبرضو بأقول قدر"، هذه الكلمات وغيرها، لا تحتاج إلى شخص يقرأ ويكتب ليختارها، فعبد الباسط عندما سُئِل لماذا لم يتعلم القراءة والكتابة؟.. أجاب ببساطة: "مكانش عندي وقت.. ومحاولتش أتعلم لأني بملّ بسرعة، وكمان مش محتاج أتعلم لأن الدنيا علمتني اللى أحسن من القراية والكتابة"، وهنا يمكن أن نقول إن خبرة عبد الباسط في الحياة جعلت منه فنانًا بارعًا، يعرف أي كلمة يمكن أن تصل للجمهور مباشرة، فعندما كان يلقي عليه أي شاعر كلمات أغنية جديدة، كان يقبلها فورًا إذا تفاعل معها، ويؤكد عبد الباسط ذلك في أحد حواراته: "الشاعر أمل الطائر كلمته، قلتله يلا بينا يا أمل نروح نقعدلنا في إسكندرية يومين، وإحنا قاعدين على البحر، قلتله ما تسمعنى كده حاجة عاوز أرجع للناس.. فسمعني أغنية أنا مش عارفني.. ففورًا بعتها للملحن ونفذناها.. لأنها طالما لمستني واقتنعت بيها يبقى لازم الناس هتحبها لأني واحد منهم وشبههم".

ببساطة هذه فلسفة عبد الباسط حمودة في اختيار الأغنية، فقد يغيب سنوات بدون جديد لأنه لم يجد الأغنية التي اقتنع بها، وهو ما يفسر قلة أعماله مع بداية الألفينيات، حتى عاد بقنبلة "أنا مش عارفني" التي استثمر نجاحها أحمد السبكي في فيلم "الفرح" وأصبحت بمثابة نشيد وطني في كل مكان في مصر عام 2009.

بعرور والحسيني وأوكا وأورتيجا يهددون عرش الحكمدار مطلع الألفينيات

توارى اسم عبد الباسط حمودة في مطلع الألفينيات مع ظهور موجة جديدة من الغناء الشعبي على يد صاحب أغنية "العنب" عماد بعرور، ثم محمود الحسيني وسعد الصغير وغيرهم، وبكل تأكيد أزاحته هذه الموجة قليلًا، لكن كما قلنا سابقًا إنه يعود كمعلم كبير بنفس أدائه وحضوره وكاريزمته الخاصة ليفرض نفسه على المشهد، وهو ما حدث مع أغنية "أنا مش عارفني"، ثم ألبوم "سلفني ضحكتك" في 2010، والذي حقق نجاحًا مدويًا بكل أغانيه.

وربما هذه المراحل المتنوعة من مشوار عبد الباسط حمودة، وتغلبه على كل التغيرات التي طرأت على الموسيقى والمجتمع وذوق الجمهور نفسه، هي ما تجعله واثقًا بنفسه الآن، بل وتزيده هذه الحالة إصرارًا وإيمانًا على أن الأغنية الشعبية القديمة التي يؤمن بها، لا يمكن الاستغناء عنها، وهو يفسر بقاءه حتى الآن بقوله: "أنا زي الجبنة القديمة اللى زي المورتة دي.. كل ما بتقدم تحلو".

لكن في نفس الوقت لم يتجمد الحكمدار عند اللون الشعبي لجيله، بل كان أكثر مرونة بعد ثورة يناير مع ظهور لون جديد من الغناء الشعبي وهو المهرجانات، فتفاعل معها، وقدم مجموعة من الدويتوهات مع أكثر من مغني مهرجانات مثل المغني "مسلم" و"عمر كمال" وكان دائم الظهور مع نجوم هذا اللون الغنائي الجديد.. كأب روحي لهم، فاستفاد منهم وأصبح ضمن دائرة الانتباه التي يستحوذ عليها هؤلاء المهرجاناتية من الجمهور، هذا بالإضافة إلى دويتوهات مع مطربين آخرين متنوعين بدأها بمشاركة فريق كايروكي في أغنية "غريب في بلاد غريبة" في 2014، ثم  دويتو مع نيكول سابا وأحمد سعد، ودنيا سمير غانم، وانتهاءَ بدويتو مع كريم محمود عبد العزيز، ومشاركته الأخيرة في أغنية "سطلانة" مع محمود الليثي وحمدي باتشان التي حققت حتى كتابة هذه السطور أكتر من 120 مليون مشاهدة على يوتيوب.

حياته الشخصية: عاقب أم عياله بالزواج عليها لأنها مبتسمعش كلامه.. وشهد على أبوه في المحكمة

المعلومات عمومًا عن عبد الباسط حمودة قليلة، وحتى في كل حواراته التلفزيونية لا يمهله أي محاور ليتكلم عن نفسه، فإما يقاطعونه ليسألونه عن رأيه في المهرجانات والمطربين الآخرين، أو يقولون له "يلا سمعنا حاجة"، ومع ذلك فهو ولد في 21 فبراير سنة 1960، ولديه خمسة أبناء، هم رامي وماجد وكريم وهدير وناريمان، وكريم ورامي وهدير يغنون، لكنه يرفض غناء هدير في الأفراح والكازينوهات، يقول: "لا بنتي متغنيش في الحاجات دي، أنا مخليها ماسكة شغلي على السوشيال ميديا وبتغني على الضيق، ومبحبش إنها تخش وسط شغلانتنا وتشوف الحاجات الوحشة اللى أنا شفتها".

وتزوج عبد الباسط من أم أبنائه منذ 40 عامًا، وعاشت معه أيام الفقر، وكانا يتقاسمان لقمة العيش وكوب الماء وينامان معًا على حصيرة، ويتذكر حمودة هذه الأيام الصعبة: "أنا الست دي خيرها عليا، أنا وهي كنا بنسقي العيش في المياه ومش لاقيين ناكل، واستحملت معايا ووقفت جنبي علشان كده عمري ما أزعلها"، لكنه اعترف أنه تزوج عليها لمدة شهر بسبب غضبه منها، قائلا: "كانت ساعات بتضايقني ومبتسمعش كلامي، فقلت والله لأتجوز عليها وحصل.. بس ندمت لأني عمري ما هلاقي زيها".

ويسكن عبد الباسط حاليًا في شقة بحدائق القبة، ولا يضع أمواله في البنوك، فكل ما يملك داخل منزله، ومن هواياته شراء الدهب والفضيات.

وحكى عبد الباسط عن علاقته بوالده قائلًا: "أبويا كان مداح وورثت منه حب المدح والمواويل.. بس كان قاسي، مرة ضرب واحد بالشوم على راسه، فروحنا القسم وبعدها المحكمة، فالقاضي سألني، فشهدت عليه، وقلت آه أبويا اللى ضربه، وساعتها القاضي طلع أبويا براءة وخلاه يتصالح مع الراجل عشان خاطري وقاله: هطلعك براءة عشان خاطر ابنك الغلبان اللى شهد بالحق ده، وساعتها أبويا طردني من البيت يومها عشان شهدت عليه".

وعلاقة عبد الباسط بأشقائه غير طيبة، يعتبرهم حاقدين عليه، وله شقيقة لم يتكلم معها منذ أكتر من 38 عامًا، وعندما سُئل عن السبب قال: "بتخلي عيالها يشتموني وطمعانين فيا.. والبيوت أسرار مش هقول أكتر من كده".

وما لا يعرفه كثيرون عن عبد الباسط أنه عصبي، لدرجة وصلت أنه ضرب أحد المطربين في أحد الأفراح لأنه غنى أغنية له بطريقة لم تعجبه.

تقييم الحكمدار لنجوم الغناء في مصر ورأيه في المهرجانات

قيّم عبد الباسط حمودة نجوم الغناء في مصر، فهو كما يراهم جميًعا في منطقة أدنى منه، بداية من عمرو دياب وحتى حمو بيكا، فقد أعطى الأخير درجة من عشرة كمطرب، وقال عن عمرو دياب: "ده أنا أبوه.. مكنش يشوفني إلا ويجري عليا ويقولي غير يا بابا.. لأن اسمه الحقيقي عمرو عبد الباسط"، كما أعطى محمود الليثي 7 درجات من عشرة، وسمسم شهاب خمس درجات، وعمر كمال 5 درجات، ويرى أن أحمد عدوية وشيبة لم يصلا لحجم موهبته وقوة صوته، ويعتبّر أن حكيم هو المطرب الوحيد الذي يسلطّنه حاليًا، قائلًا: "يا أبوي على أبو محمد، أبو محمد ده في حتة تانية، لما أحب أتسلطن أسمعه.. ده فوق التقييم".

كما قيم عبد الباسط بليغ حمدي وقال إنه موسيقار عبقري لحن له أغنيتين هما: "يا عيني على رقتك" و"ياللي ماشي بتتمخطر"، لكن قام بالتعديل على اللحنين لأن بعض الوقفات لم تعجبه.

أما عن رأيه في المهرجانات فهو يقول إنها مجرد "تقليعة" وستنتهي، وستبقى الأغنية الشعبية، قائلًا: "الحاجات اللى زي المهرجانات دي بتنجح كده لأن السميعة خلاص ماتوا، بس الأغنية بتاعتنا، والكلمة بتاعت ولاد البلد هتفضل عايشة وليها مكانها، لأن هو ده تراثنا".

نشر في عدد الدستور الثقافي يناير 2024

author-img

محمد محمود ثابت

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة