JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

recent
عاجل
الصفحة الرئيسية

أرض الغربة والعجز والأحلام الضائعة.. كيف ظهرت القاهرة في الأفلام؟



ما أهمية المكان في الرواية والأفلام؟ وهل للمكان رمزية يمكن الاستدلال بها على أي معنى أو رسالة أو فكرة؟، وهل يوجد مكان مجرد عن الزمان؟

بطبيعة الحال، لا يمكن فصل المكان عن زمانه، لذلك يمكننا دائما أن نتعرف أو نصف كل مكان بصفات الزمن الذي وجد فيه، سواء كان قرية أو مدينة أو حتى منزل.

وفي السينما هناك علاقة خاصة بين المكان والكاميرا، خاصة إذا كان المكان حقيقيا غير مفتعل أو تم تصميمه من قبل مصمم مناظر؛ لأن ما تصوره الكاميرا من أماكن حقيقية، يعد وثيقة تاريخية، يمكن الرجوع إليها من قبل الأجيال المتعاقبة ليتعرفوا على هذا المكان وصفاته ومعالمه.

لكن في نفس الوقت، وبالذات في السينما الروائية، ليس كل فيلم يصور في مكان ما؛ سواء مدينة أو قرية، هو فيلم عن هذا المكان، أو يعبر عن حقيقته، لكن في الغالب الصورة التي تعرض، تعبّر بدورها عن رؤية الفنان الذاتية وتصوره وعالمه الخاص.

وبتطبيق ذلك على مخرجي السينما المصرية، وتصويرهم لمدينة القاهرة، فإن النظرة اختلفت بينهم، فمنهم من صورها على أنها مدينة الحياة والأمل، ومنهم من صورها على أنها مدينة الموت والإهمال، ومنهم من لم ير فيها سوى مدينة ترمز للعجز والاغتراب والأحلام الضائعة.

حياة أو موت 1954
ليس فيلم “حياة أو موت” للمخرج كمال الشيخ، هو الفيلم الأول الذي تم تصويره في شوارع القاهرة، قد سبقه أفلام عديدة، منها على سبيل المثال فيلم “الأسطى حسن” للمخرج صلاح أبو سيف، كما سبقهم أفلام تسجيلية عديدة في فترة الأربعينيات عن مدينة القاهرة، لكننا هنا بصدد الأفلام الروائية البارزة.

فيلم “حياة أو موت” صنفه الناقد الراحل سمير فريد، كأول فيلم روائي مصري صورت أغلب لقطاته في شوارع القاهرة، ولا يعتبر هذا الفيلم مجرد حدوتة عن فتاة تجري في الشوارع لتعطي والدها الدواء، بينما على الناحية الأخرى جهود الإذاعة والشرطة والأطباء لمنع وصول هذا الدواء السام لإنقاذ هذا الأب، إنما كان فيلما عن مدينة القاهرة التي أظهرها كمال الشيخ رمز العطاء والأمل والحياة الجديدة.

في هذا الفيلم، سترى شوارع القاهرة بشكلها الحقيقي، استخدم “الشيخ” شوارعها بمهارة شديدة، كأنها ستوديو كبير، نرى خلاله الممثلة الطفلة ضحى، تجرى ونلاحقها بأنفاسنا، ونرى شهامة المصريين في مساعدتها والتعامل معها.



تعمد كمال الشيخ أن يحدد زمان قصته، وهو عيد الأضحى، لكنه تعمد ذلك ليظهر شوارع القاهرة في بداية الفيلم بعيون الفنان عماد حمدي، وكأنها مدينة سعيدة، تفتح أحضانها للجميع بكل بهجة وسرور.

ظهرت القاهرة في فيلم “حياة أو موت” دافئة، ورمزا لمدينة تدرك قيمة الإنسانية والحياة، هي الحلم الذي جسده المخرج الشاب وقتها كمال الشيخ، بعدسته وعلى شريطه السينمائي، لإعادة الثقة بين المواطن والدولة، ولرسم لوحة إنسانية للقاهرة كمدينة دافئة ودودة، مبهجة، تحب الحياة وتكره الموت.

فجر يوم جديد 1971
عبر المخرج يوسف شاهين في هذا الفيلم عن القاهرة، بأسلوبه الخاص، ويعتبر هذا الفيلم من أهم الأفلام عن القاهرة في فترة الستينيات.

القاهرة هنا في نظر شاهين هي الفجر الجديد، فجر الثورة، مجتمع العمل والمصانع، وبرج القاهرة، الذي يرمز إلى القوة والريادة، وقصد يوسف شاهين من فيلمه أن تكون هناك مصالحة بين هذا الفجر الجديد؛ أي الثورة بما أحدثته من تغيير في المجتمع، وبين طبقات المجتمع المختلفة، سواء الذين سقطوا من الهاوية بعد الثورة أو الذين صعدوا على أكتافها.

هذا الفيلم كان دعوة إلى وقف الصراع، من خلال صورة مدينة القاهرة التي رأى وقتها يوسف شاهين أنها رمز الأمل، التي ستنهى الصراع بين الطبقة البرجوازية والاستقراطية.

يوسف شاهين بعد سنوات من هذا الفيلم، علق عليه قائلا: “كنت لازلت مثاليا، تصورت أن الأمل قد يأتي من داخل البرجوازية ذاتها، وربما يعود هذا التصور إلى طبيعة انتمائي الطبقى.

وهذا يتضح جليا داخل عدد من مشاهد الفيلم، مثلا في مشهد الفنان سيف الدين، عندما اصطحب الفنانة سناء جميل التي قامت بدور “نايلة” في جولة ببرج القاهرة ومعالم المدينة الجديدة، سواء المصانع أو المباني الحديثة، وبالطبع لم تكن جولة رومانسية، بقدر ما كانت رسالة من يوسف شاهين ألقاها للمشاهدين، وكأنه يستقطب”نايلة” التي تنتمى للطبقة الاستقراطية، لتتفاعل وتنخرط في هذا الفجر الجديد “القاهرة”، مع البرجوازيين الذين أصبحوا أسياد هذا البلد، كما أن عدسة يوسف شاهين ركزت في أكثر من مشهد على صور القاهرة في الفجر، والتي تعد من أجمل المشاهد التسجيلية عن مدينة القاهرة في تاريخ السينما المصرية.


ثرثرة فوق النيل 1971
أخرج حسين كمال من قلب رواية نجيب محفوظ “ثرثرة فوق النيل”، الروح الانهزامية للشعب المصري على الشاشة بعد نكسة 1967، لم يكتف بتصوير حالة “السطل” واليأس للمواطنين، ولكنه عكس ذلك على القاهرة بأكملها.

المونولوج الداخلى الذي ألقاه الفنان عماد حمدي وهو يسير في شوارع القاهرة، كان أبرز هذه المشاهد؛ إذ  أظهرت عدسة المخرج حسين كمال، القاهرة وهي غارقة في العشوائية والانهزام.

تعمد المخرج إلقاء هذا المونولج من قبل شخصية “أنيس زكي” مع لقطة واسعة لمدينة القاهرة: “اللى يردموه يرجعوا تانى يفحتوه، واللى يسفلتوه يرجعوا تانى يهدوه، مرة عشان الكهرباء ومرة مواسير المياه، ومرة سلك التليفون، ومرة المجارى، وياما جارى فى الدنيا، ياما جارى، طب ما كانوا فحتوا مرة واحدة مش بيقولوا فى لجنة تخطيط يمكن الواحد غلطان ولجنة التخطيط هى اللى صح.. آه أدام بيجتمعوا كتير وبيخططوا كتير يبقى لازم يفحتوا كتير.

القاهرة في “ثرثرة فوق النيل” هي واقع الهزيمة، هي حالة التوهان والانكسار التي يعيش فيها المجتمع ككل، واستطاع الفيلم بجدارة أن يظهر حال القاهرة في فترة ما بعد النكسة، كأنها مدينة مغيبة، يائسة، عشوائية، خارج التاريخ.



الحب فوق هضبة الهرم 1986
لا توجد صورة أكثر خشونة للقاهرة في أي فيلم سينمائي، أكثر من الصورة التي صورها المخرج عاطف الطيب لها، كانت القاهرة في أفلامه دائما، رمز الإحباط والعجز والأحلام الضائعة.

في فيلم “الحب فوق هضبة الهرم”، المأخوذ عن قصة نجيب محفوظ، نزل عاطف بكاميرته إلى شوارع القاهرة، ليصور كم هي قاسية على أبنائها، بلا رحمة أو شفقة، فنحن أمام شاب يدعى “علي” خريج كلية الحقوق، لا يجد عملا ولا سكنا ليتزوج حبيبته، وينتهي المطاف بهما داخل السجن.

الأحلام تقتل في قلب القاهرة، حتى الأحلام الصغيرة تضيع في غياهب سياسة الانفتاح في فترة السبعينيات، التي لطالما هاجمها عاطف الطيب وانتقدها بشدة في أفلامه.

يرى المشاهدون القاهرة في الفيلم، مخنوقة، حبيسة سياسة الانفتاح والتضخم، والناس متوحشون في الشوارع، نعم القاهرة هي الحلم لكل الشاب، لكنه الحلم الذي انتهى في نهاية المطاف كابوسا.

ويعتبر النقاد أن عاطف الطيب لديه فيلمين رئيسيين، يعدان من أهم الأفلام عن القاهرة، أولهما فيلم “الحب فوق هضبة الهرم” والثاني هو فيلم “ملف في الآداب” الذي رسم فيهما صورة كاملة لمدينة القاهرة خلال هذه الفترة كما تصورها، ويعتبر النقاد أن أي دراسة اجتماعية أو سياسية أو نفسية أو معمارية عن القاهرة خلال هذه الفترة، تتجاهل هذين الفيلمين، دراسة ناقصة.

محمد خان.. مخرج القاهرة الأول
أطلق الناقد الراحل سمير فريد على المخرج الراحل محمد خان، أنه مخرج القاهرة الأول في السينما، مثلما يلقب المخرج اشتفان سابو على أنه مخرج بودابست، وقال عنه الناقد الفني مدحت محفوظ، بأن القاهرة عنده تناظر الحرية والريادة والتقدم.

في فيلمه “الحريف” ينتصر محمد خان للمهمشين، هؤلاء الذين شغلوه دائما في أعماله، لكنه يعبر عن ذلك بشاعرية شديدة، ورغم أن المدينة تعصرهم وتعصف بهم، إلا أنه يصورها بغرام شديدة، ويعتبر خان هو المخرج الأول الذي أبرز القاهرة وكأنها أجمل قصيدة، حتى وهي قاسية على مواطنيها.

في “الحريف”، لا أحد يهتم بك في قلب القاهرة، المادية تقتل كل شيء، نرى ذلك في أكثر من مشهد، مثلا بعدما علم “فارس” بموت والدته، إذ نرى الكادر متسعا، ليكشف فارس ضئيلا تحت إعلان “توشيبا” المضئ الضخم، وكأنه يتجاهل حزنه.



الحزن يملأ شوارع القاهرة في “الحريف” مثلا في مشهد نجاح الموجي وعادل إمام وهما يسيران بعد خروجهما من الحبس، لا أحد يحس بهما، لا يجد إلا البرد ليحتضناه، لكن في نفس الوقت يجدان في الشارع من يرد لهما الروح مرة أخرى، إذ تقف سيارة لهما تطلب منهم المساعدة وينجح اليائس “عبد الله” في المهمة، ليدرك أنه ليس عاجزا، بل قادر على أن يفعل شيئا وأن وجوده له قيمة وأهمية.

خرج ولم يعد

القاهرة في أفلام “خان”، صاخبة، معذبة، لكنه يظهرها كعذاب الحبيب، مليئة بالحزن، ولكنه الحزن الأقرب إلى الشجن.

يعد فيلمه “خرج ولم يعد” هو الفيلم الأبرز عن تصوره للقاهرة، من أول مشهد في الفيلم، نرى المياه الملوثة، والضوضاء وبخل البشر وضيق النفس والازدحام والاختناق، والقلق والتوتر، لكن في الجزء الثاني عندما يذهب عطية إلى الريف، تنعكس الصورة لنرى الريف بكرم وجود أهله والطمأنينة والسلام والراحة التي تسكنه هناك.

كانت نظرة خان دائما، أن الإنسان في القاهرة مطارد، غريب، حتى لو كان من أهلها، سواء في “الحريف” أو “ضربة شمس” أو “خرج ولم يعد”، أو غيرها، حتى أنه صورها في “خرج ولم يعد” وكأنها رمز للخراب، خاصة في تصويره للمنزل الآيل للسقوط الذي يسكن فيه البطل.

اضحك الصورة تطلع حلوة 1998
إحنا صغيرين أوي يا سيد”، أشهر الجمل في تاريخ السينما المصرية والتي قالتها الفنانة الراحلة سناء جميل، لتعبر عن عجز هذه الأسرة المهمشة المهاجرة إلى القاهرة، أمام الغنى والثراء لأهل القاهرة.

صوّر المخرج شريف عرفة، القاهرة بشوارعها في هذا الفيلم بنظرة حالمة، لكن لا تخلو من تناقض؛ إذ إنها تجمع المهمشين والأثرياء، وتجمع ما بين الألم والأمل، والحب والانتهازية، وجمال الروح، وقبح النفوس التي تدوس على الطيبين.



فيلم 678 – 2010
القاهرة في سينما الألفية الجديدة تبدو متوحشة، قاتلة، تعمد عدد من صناع الأفلام في هذه الفترة، ألا يجمّلوا الصورة، بل ينقلوها كما هي، بكل قسوتها وتوحشها، كان أبرز هؤلاء المخرج خالد يوسف الذي أظهر الجانب السييء فيها.

لكن يعد فيلم المخرج محمد دياب 678، الذي قدمه عام 2010 عن التحرش، من أهم الأفلام عن مدينة القاهرة، لأن أغلب مشاهده صورت في شوارعها، لتنقل كم أصبحت المدينة متوحشة، تأكل النساء بلا رحمة، فالرجال يتحرشون بهن، والمجتمع يخذلهن، وتبرز القاهرة في هذا الفيلم كأنها المتهم الجاني، بسبب تخاذلها وليست كضحية وصل بها الحال إلى هذا التدني والسقوط الأخلاقي، عكس ما كانت في فيلم “حياة أو موت” يمد الناس في الشوارع أيديهم لمساعدة الطفلة، لكنهم في 678، يمدون أيديهم تجاه النساء ليتحرشوا بهن.




الاسمبريد إلكترونيرسالة