JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

recent
عاجل
Accueil

أنا الذي كنت ثم أصبحت وأتمنى أن أكون

 

أنا في سن السادسة وتظهر ستي لأمي أقصى اليسار


تعلمت القراءة مبكرا..

كنت أتهجى الكلمات وأفهم معناها.. وعمري لم يتجاوز الرابعة.

قالوا لي: "أنت سابق سنك"، وصدقت ذلك.

كبرت وهذه الجملة ترافقني.. حتى يومنا هذا.. ربما يقصدون "صلعتي" 

ثم تحولت هذه الملاحظة العابرة إلى جزء من صورتي عن نفسي. 

فكنت أرفض مثلا الدروس الخصوصية.. حتى في الثانوية العامة رفضتها.. ولم أذهب إلى المدرسة 

وكنت أرى نفسي على قدم المساواة مع المعلمين

وفعلا، تفوقت دونهم

وحصلت على 98٪، وبذلت مجهودا أقل من كل من هم في سني.

السبب كان بسيطا..

الكتاب كان رفيقي.

فحين كانوا يدرسون قشورا عن قناة السويس في ابتدائي،

كنت  أنا في المكتبة أقرأ مذكرات ديليسبس.

وحين بدأوا يتعرفون على معنى كلمة "فلسفة" في الثانوية، كنت أقرأ محاورات أفلاطون وهيجل.

وكنت أقرأ لعبد الرحمن بدوي في مكتبة مبارك،

وأعود إلى البيت بأسئلة أكبر من المنهج.. وأهم من الامتحان.

لم أكن أفهم كل ما أقرأ، لكنني كنت فضولا.

في البداية شدني عقل أفلاطون، وحجته وبصيرته.. أذهلني أنه لم يكن يشرح، 

كان يطرح الأسئلة، ويدع خصومه يتورطون في الإجابات.. مثل أستاذه..

فتعلمت منه أن الفكرة لا تقال دفعة واحدة، بل تنتزعها.

قرأت المحاورات وأذهلتني محاكمة سقراط وحديثه عن النفس والموت والعدالة.. والمدينة الفاضلة.

سقراط عبقري.. خطير..  كان لا يقنع أحدا، كان يفكر.. ثم يسخر ويتهكم.. فيهدم كل شيء.

وكان هذا جديدا علي تماما.. بل غريبا.

ثم انتقلت إلى هيجل صدفة،  وجدت لغة أثقل.. وأفكار أكثر تجريدا..

هيجل يعني.. الفكرة ونقيضها وما ينشأ بينهما.

كنت أقرأه ببطء.. سطرا.. ثم وقفة..

ثم أعيد.

وكانت المتعة في المحاولة نفسها..

ومن هيجل إلى نيتشه.. العدو الأشهر للقطيع..

لم أكن أفهمه بالكامل، لكنني أحببت حدته..

كنت أقرأ ما يكتبه وكأنه بيان شخصي ضد الظلام والجهل والبلادة.

وأعود بعده إلى عبد الرحمن بدوي في أزقة مكتبة مبارك العامة، فأشعر أنني أكثر عمقا لأنه يشرح لي ما لا أفهمه.

والحقيقة أدين بالفضل للكاتب الكبير أنيس منصور.. لأنه هو من أشار لي بهذه الأسماء.. فلهثت لأبحث عنها وأتعرف عليها بعمق.

وقرأت مبكرا عن الوجودية، وعن الحرية.. وقيمة الفرد أمام السلطة والمجتمع والتاريخ.

معاني كبيرة وأكثر عرفتها.. منذ نعومة الأظافر.

لم أكن أبحث عن إجابة، كنت أبحث عن مساحة أتنفس فيها، وأفكر خارج ما يقال لي في الفصل.. أو في الكتاب المدرسي.

لذلك حين دخلت امتحاني الفلسفة وعلم النفس في الثانوية.. ضحكت وسخرت وأنا في لجنة الامتحانات، ثم حصلت على الدرجات النهائية.. فقد كان الامتحانان أقل من المستوى الذي أنا عليه.

ومنذ ذلك الوقت، لم أفارق الورق.

ولم أفكر يوما أن الكتابة ستكون مهنتي.. لكنني لم أجد نفسي إلا وهي قدري ولا أملك سواها.

لكن حين تخرجت من الجامعة في 2018، وبالتحديد من كلية الإعلام في جامعة القاهرة، لم أجد الصحافة التي عرفتها، ولا التي قرأتها..

ولا التي حلمت أن أعمل بها.

وجدت شيئا آخر..  وسيطا آخر..  ومنظومة أخرى في حرية التعبير.

لا يمكنك أن تقول كل ما تريد.. ولا أن تكتب كما تفكر.. ولا أن تتحرك بحرية كاملة.

نظرت إلى من سبقوني فحسدتهم.. لأن عاشوا في زخم ثقافي وفكري وسياسي حقيقي.. وكان هناك وسيط محترم..  يُحترم.

لكن جيلي لم يتح له أن يعيش المهنة كما أحبها وعرفها.. لا الوسيط كما هو.. ولا الجمهور كما كان.. ولا المنظومة كما يجب..

ومع ذلك، نحاول أن نأخذ مكانا.. وأن يعاملونا باحترام.

نحاول أن يرانا الناس كما نحن: مهنيين، لا هواة.

كتابا.. لا مدونين ولا نشطاء ولا انفلونسرز!

والحقيقة أن أكتب كل ما أكتبه بصدق..

لكن كثيرين يسيئون الفهم..

يعتقدون أنني مأجور.. أو أكتب بالطلب.. ربما لأنني حاد، أو متحمس أكثر من اللازم.

لكن هذا طبعي

 والحمد لله، أنا أمتهن الكتابة لأنها رزقي، وكانت سببا في نقلة حقيقية في حياتي.. 

كتبت كل قوالب الكتابة.. وكتبت لأرفع شخصيات مسئولة في البلد.. ولا يزال عندي أكثر السنوات المقبلة إن كان لي عمر.

وأشكر الله أن جعلني إنسانا يحترم نفسه.. لا يطلب شيئا من أحد وإذا طلب.. فهو يطلب مرة واحدة ولا يكررها.

وأكرر.. الحمد لله الذي جعلني إنسانا يحترم نفسه..

لا يلهث.. ولم يضعه أحد على كتفه ليرفعه

بل رفع نفسه بنفسه 

ولا يملك سوى عقله الحر وقلبه الصادق. 


محمد ثابت

author-img

محمد محمود ثابت

Commentaires
    Aucun commentaire
    Enregistrer un commentaire
      NomE-mailMessage