JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

recent
عاجل
الصفحة الرئيسية

سيد قطب وعبد الناصر.. علاقة بدأت بالثقة وانتهت على حبل المشنقة


 


صدمة أو دهشة كبيرة ربما أصابت فئة عظمى من الجمهور عند مشاهدة الجزء الثاني من مسلسل "الجماعة"، الذي أظهر العلاقة القوية التي كانت تجمع الرئيس جمال عبد الناصر بالمفكر الإخواني سيد قطب.

هذه الدهشة أو الصدمة، لم تمر بسلام، وبادر الكثيرون كالعادة من المثقفين وغير المثقفين، برمي المؤلف الكبير وحيد حامد بالسباب واللعان واتهامه بالكذب والتلفيق والتزوير.

وحاول المؤلف الكبير أن يدافع عن نفسه وعن مصادره العديدة التي رجع لها، لكن أحدا لا يسمع ولا يكلف نفسه بالقراءة والاطلاع، ليفهم أن كل ما قدم في المسلسل ما هو إلا "مشروب عصير" لحقبة تاريخية مهمة من تاريخنا، قدمه لنا وحيد حامد ونحن جالسون في مكاننا دون عناء أو مجهود منا.

أما الصدمة والدهشة التي شعر بها البعض من المسلسل، فربما تكون لعدم الإلمام الكامل منهم بهذه الفترة التاريخية المهمة في تاريخ مصر المعاصر، وجهلهم بما كان يدور فيها من مواءمات سياسية ومصالح كبرى وعلاقات بدأت بالثقة وانتهت على حبل المشنقة، والتي كان أبرزها علاقة صداقة الضابط جمال عبد الناصر، بالمفكر الإسلامي سيد قطب، التي تحولت إلى عداوة شديدة، بعد أن صار الأول رئيسا للجمهورية، وأصبح الثاني عضوا بارزا بجماعة الإخوان.

البداية
قبل أن تقوم حركة الضباط الأحرار في يوليو 1952، كان هناك كاتب إسلامي اسمه سيد قطب، كاتبا ساخطا، ثائرا، كارها للاستعمار والإقطاع، يعبر عن رأيه بكل حماسة في مقالاته التي يكتبها في مجلة الرسالة، وعلى الجانب الآخر كان هناك مجموعة من الشباب داخل الجيش المصري، ساخطين أيضا، كارهين للاستعمار والنظام الملكي، وهؤلاء الشباب كانوا من مختلف التيارات، يؤسسون لتنظيم موحد من جميع الأطياف، فكان من الطبيعي أن تكون بين هؤلاء الضباط وهذا المفكر وغيره من الكتاب اتصالات ونقاشات عديدة بشأن سوء الأوضاع في مصر الملكية.

واستنادا للمصادر التاريخية، نجد اعترافا من سيد قطب بعلاقته بالضباط الأحرار قبل الثورة، للكاتب الكبير الراحل سليمان فياض في مقال له بعدد سبتمبر 1986 من مجلة الهلال، تحت عنوان "سيد قطب بين النقد الأدبي وجاهلية القرن العشرين"، يقول نصا أثناء استضافته لسليمان فياض في منزله: "هنا تحت هذه الشجرة، كان الضباط الأحرار يعقدون بعض اجتماعاتهم معي، في فترة التمهيد للثورة، كانت الحديقة واسعة، يحيط سورها بها".

وذكر "فياض" في مقالته أن سيد قطب في هذا اللقاء نهض ودخل غرفته، ثم عاد بمظروف داخله عدة صور له مع الضباط الأحرار في منزله، وسأله سليمان فياض عن سر عدم وجود اللواء محمد نجيب معه في الصور واللقاءات، فقال "قطب" له: "نجيب مجرد واجهة للثورة، لأن الرتبة العسكرية لها حساب في الجيش"، وأشار سيد قطب إلى صورة جمال عبد الناصر، وقال: "هذا هو قائد الثورة الحقيقي، يتوارى الآن وراء نجيب وغدا سيكون له شأن آخر".

واستنادا إلى بعض الباحثين وآراء بعض المقربين من المفكر الإخواني، ومنهم المفكر صلاح الخالدي التلميذ الأثير لسيد قطب والذي ما زال حيا يرزق حتى الآن، فإنهم يرون أن العلاقة بين "قطب" وجمال عبد الناصر، بدأت طبيعية ودعمتها عدة أمور منها، أن كليهما صعيدي من أسيوط، ولديهما مبادئ ومؤمنين بالاستقلال، وساخطين على الوضع الملكي وكارهين للغرب وأمريكا.

وبالعودة إلى المسلسل، نجد أن وحيد حامد لم يستخدم خياله نهائيا في هذه العلاقة، وأنه لم ينحرف بعيدا عن هذه الأمور، ففي أول مشهد للقاء سيد قطب الذي يلعبه الفنان محمد فهيم، مع جمال عبد الناصر، الذي يؤدي دوره الفنان الأردني ياسر المصري، نرى حديثا بين الطرفين، يسأل "قطب" الضابط جمال عبد الناصر بعد أن أخبره بنيته للقيام بانقلاب على الملكية: "إزاي تخبرني بسر خطير مثل هذا، كشفه يعرضك للإعدام رميا بالرصاص"، ليرد عليه عبد الناصر قائلا: "يا أستاذ سيد إحنا صعايدة زي بعض، وأثق فيك لأنك صعيدي، والصعيدي عمره ما يخون، ده غير إني عارفك من زمان وعارف حجم السخط اللى جواك".

"قطب" والثورة
توضح مقالات سيد قطب في مجلة "الرسالة" بعد نجاح حركة الضباط الأحرار في 23 يوليو، كم كان مندفعا في تأييده والكتابة بحماس، ودفاع عن الضباط الأحرار والهجوم بشراسة على كل من ينتقدهم، وكتب يقول: "أيها الأبطال، إن الوقت لم يحن بعد كي تعودا إلى الثكنات، فلنضرب بقوة ولنضرب بسرعة، أما الشعب فعليه أن يحفر القبور ويهيل التراب".

وفي مقال منشور له بجريدة الأخبار في أغسطس 1952، كان أول المدافعين والمعترضين على أي حل سياسي بعد نجاح الثورة، كان ساخطا على كل الدعوات التي تدعو للسير على ما جاء في الدستور والقانون، فقال موجها كلامه في مقال بعنوان: "استجواب إلى محمد نجيب": "دعك يا سيدي من تلك الخدعة التي يطنطن بها رجال السياسة ليفرقوا بها وثبتكم المباركة، إن الرجعية اليوم تنستر وراء الدستور وتثبت بهذه الخدعة لتعيش".

وبالتدقيق في هذه الأمور نرى أنه من الطبيعي أن يتلقى مزاج هؤلاء الضباط بهذا المفكر، فهو كان يدعو دائما إلى حل الأحزاب والانتقام من الإقطاعيين وكل أعوان الملك دون النظر إلى الدستور أو القانون، فسيد قطب لم يكن يدعو إلى سلك أي طريق ديمقراطي، وكان طبيعي أن يقترب منهم أو يقربوه منهم ويجالسوه، فالعسكري في أغلب الأحوال لا يحب الديمقراطية ولا يأمن لها، وربما هنا كانت نقطة الاتفاق بينهما.

وبالرجوع إلى هذا الأمر في المسلسل نجد أكثر من مشهد لسيد قطب مع أعضاء قيادة الثورة، وهو يطالبهم بدهس الدستور بأقدامهم، وأنه لا حرية ولا ديمقراطية بعد الانقلاب على نظام الحكم.


لم يكن سيد قطب مجرد مفكر مقرب من الضباط الأحرار فقط أو محبب لهم، بل كان يعمل معهم، وذكر سيد قطب بنفسه في كتابه "لماذا أعدموني": "كنت أعمل أكثر من اثنتي عشرة ساعة يوميا قريبا من رجال الثورة ومعهم ومع من يحيط بهم".

لكنه ابتعد وفارقهم واشتدت الخصومة بينه وبينهم بالأخص بينه وبين بلدياته جمال عبد الناصر، فما السبب وسر هذا التحول؟

بداية العداوة
قبل تحديد أسباب العداوة والخصومة بين سيد قطب وعبد الناصر ومجلس قيادة الثورة، فلا بد من العودة أولا إلى شخصية سيد قطب نفسه، فهو رجل معتد بنفسه ويفخر بها، وهذا يظهر جليا في سيرته التي كتبها بنفسه: "طفل من القرية"، كما أن مقالاته توضح كبرياءه وعزة نفسه الشديدة، وهذا ما أظهره مسلسل "الجماعة 2"، ولم ينكر المؤلف وحيد حامد هذا الأمر لأنه كان أمرا واضحا في شخصية هذا المفكر، وأمرا مهما لتفسير تصرفاته ودوافعها، خاصة وأن كبرياءه وعناده هما السببان الرئيسيان في موقفه الغاضب الناقم وانحرافه عن طريق جمال عبد الناصر والثورة.


السبب الأساسي للخصومة، كان طموح سيد قطب المبالغ فيه بعد اقترابه من قيادات البلاد، حيث انتظر أن يقدموا له مكافأة بعد دعمه لهم، فهو في هذا التوقيت كان موظفا في وزارة المعارف، فتركها عقب الثورة مباشرة، اعتقادا منه أنه ينتظر منصبا أكبر، مثل تولى الوزارة، لكنه فوجئ بعكس ذلك تماما.

وهنا يحكى صديقه المقرب عباس خضر في كتابه "هؤلاء عرفتهم": "شممت من بعيد رائحة تطلعه إلى وزارة التربية، ولكن تولاها سيد يوسف الذي كان يمت إلى جمال عبد الناصر بقرابة عائلية وشعر سيد قطب بخيبة الأمل في ذلك المنصب واستد سخطه على الأحوال الجارية".

ويقول أيضا: "والواقع أن سيد قطب برغم كل شيء كان طموحا إلى درجة قاتلة وكان في الوقت نفسه شمعة تضيء وتحترق ولعله كان يرمي من طموحه إلى الرئاسة أن يتمكن من العمل مع ذلك الطموح الكبير بل الإفراط فيه إلى حد أن ثقل به، لم يلجأ إلى دجل أو تهريج للوصول، كان جادا مترفعا".

واختلف سيد قطب مع جمال عبد الناصر بسبب هيئة التحرير التي أنشأها وشعر بالغضب بسبب ما لمحه من تجاهل لدوره تدريجيا وهو ما أظهره المسلسل.

وبعد شدة الخلافات ابتدت أواصر الصلة بين سيد قطب والجماعة، وتلاقوا مع أفكاره، ورحب قطب بالالتفاف حوله، حيث "بدأ يشعر بتحقيق ذاته وصار له تلاميذ ومريدون ومعجبون، كأستاذه عباس العقاد"، كما ذكر الأستاذ حلمي النمنم في كتابه "سيد قطب وثورة يوليو".

فعلاقة قطب بالإخوان كانت هي الضربة القاضية لعلاقته مع عبد الناصر، خاصة بعد توليه لرئاسة تحرير جريدة "الإخوان المسلمون"، التي هاجم بشراسة فيها النظام والثورة، فاعتقل في 1954، لأول مرة، لمدة شهرين، ثم مرة أخرى بعد حادث المنشية، واتهامه بالتحريض على اغتيال عبد الناصر، وتوسط وقتها له الرئيس العراقي عبد السلام عارف، فأفرج عنه جمال عبد الناصر.

لكنه بعد أن خرج تعاون مع عدد من شباب الإخوان المسلمين لإقامة تنظيم مسلح للتخلص من جمال عبد الناصر، ويروي ذلك على العشماوي، أبرز قيادات الإخوان في كتابه "التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين": "بعد خروج سيد قطب، تم استدعاؤنا أنا والشيخ عبد الفتاح إسماعيل للقائه" وبدأت العلاقة بينهم والاجتماعات المتكررة، واتفقوا جميعا على ضرورة التسليح للمواجهة مع النظام، حتى أن على العشماوي في كتابه  ذكر أنهم اضطروا لشراء الكتب والمراجع الخاصة بصناعة المفرقعات، ولكن تم كشف أمر هذا التنظيم الذي كان يقوده سيد قطب للتخلص من عبد الناصر، في 1965، وإعدام سيد قطب في 29 أغسطس 1966.

نُشر هذا الموضوع في موقع فيتو في 18 يونيو 2017
author-img

محمد محمود ثابت

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة