JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

recent
عاجل
Accueil

اعترافات الكبار عن نجيب محفوظ: «لحم عقولنا من خيره»

 



ما الذى بقى من نجيب محفوظ؟، هل كان يشغله أن يبقى فى وجدان الإنسانية أم أنه كان يقول كلمته ويمضى دون أن يعبأ بما ستحدثه هذه الكلمة؟

 داخل رواية «ميرامار» يمكن أن تلمس إجابة واضحة عن هذا السؤال، يمكن أن تعرف أن هذا الرجل كان حريصًا وهو يسجل تاريخ الإنسانية فى كتاباته على أن يكون هو نفسه تاريخًا.

 فعلى لسان شخصيته «عامر وجدى» فى الرواية يقول: «احرص فى النهاية على أن تؤلف كتابًا وإلا نسيك الناس كما نسونى».

 من هنا بقى نجيب محفوظ، عرف أن الكتابة هى التى تبقى، وأن الكاتب حين يغادر الحياة يرحل بجسده ويترك روحه- أى كتاباته- بين أيدى الناس.

 لكن بقاء نجيب محفوظ كان مختلفًا طوال الوقت، بقاء يعطى الجميع ويلهمهم، ينتفعون من خلاله ويكسبون الكثير من ورائه، فالرجل خيره على الجميع، وإن كان لا يدرى أو لا يقصد، هذا الخير المتمثل فى شخصيته وأفكاره التى ألهمت وفتحت الطريق لكل من يريد أن يقتحم عالم الكتابة والتأليف.

 إنها «تركة» نجيب، المتمثلة- بعد إبداعاته الأدبية الأسطورية بالطبع- فى جيل من التلامذة المبدعين، الذى استلهموا تجربته وتجمَّعوا حول أفكاره وتربوا فى أحضان جلساته وندواته الخاصة، لدرجة أنهم أُطلق عليهم لقب «الحرافيش»، المُستلهم من اسم الرواية الشهيرة لـ«أديب نوبل»، والذين سألتهم «الدستور» عنه فقالوا عنه الكثير فى السطور التالية، تزامنًا مع ذكرى رحيله الـ١٣.

وحيد حامد:«أستاذنا وأستاذ اللى خلفونا كمان»

لا يتحدث وحيد حامد، النجم الأول فى الكتابة السينمائية، عن نجيب محفوظ إلا ويصفه بـ«الأستاذ»، الذى احتواه فنيًا حتى صار أحد أهم كتّاب الشاشة الكبيرة.

بدأ وحيد حامد حياته الفنية أديبًا، يهوى القصة القصيرة والرواية والمسرحية، وكان مَثَله الأعلى «أديب نوبل».
يروى: «كتبت روايتى الأولى وزحفت من الشرقية إلى القاهرة، ولم يلتفت إلىّ أحد، لأن الوصول كان صعبًا للجميع، لكن الطريق إلى نجيب محفوظ كان سهلًا، حيث يفتح أحضانه للموهوبين الحقيقيين ولا يبخل على أحد».

ويكشف «حامد» الكثير من الجوانب الشخصية لـ«أديب نوبل»: «الأستاذ كان متواضعًا لدرجة غريبة، وهذا ما تعلمته فى الحقيقة منه، لدرجة تجعلنى أندهش حين أرى العيال الهايفة وهم ينتفخون، من أنتم؟ هل تعرفون الأستاذ نجيب محفوظ كيف كان بسيطًا وودودًا؟».

ويجيب الكاتب السينمائى عن سر تجريده نجيب محفوظ من اسمه حين الحديث عنه وتفضيله لقب «الأستاذ»، بقوله: «أمال إيه؟ ده أستاذنا وأستاذ اللى خلفونا». ولوحيد حامد حكاية لم يذكرها من قبل مع شخص نجيب محفوظ، كانت سببًا فى أن تخلق منه إنسانًا آخر، كاد مصيره أن يكون مجهولًا بسببها، فيحكى: «حين كتبت فى شبابى مسرحيتى الأولى كنت أنتظر فوزها فى مسابقة المسرح القومى لتقوم الدولة بإنتاجها، وجاءتنى المعلومة من أحد العاملين بالمسرح بأن المسرحية قد فازت، وذهبت أشكر اللجنة، لكنى فوجئت بأحد أعضائها يقول لى: (إيه الكلام الفاضى ده، مين قالك كده؟، مسرحيتك لم تفز».

ويواصل «حامد» حكايته: «هذه هى صدمة عمرى، خلانى زى الكتكوت المبلول، وكنت خلاص قررت أطلع من عنده جرى على بيتنا فى الشرقية ومش راجع تانى، إلا إنه قال لى: إنت مش أديب، لأنك لم تعبر البحر، وكان يقصد بذلك أننى لم أسافر، ولما قلت له: نجيب محفوظ لم يسافر، فرد وقال: ومين قالك إن نجيب محفوظ أديب؟».

ويكشف عن أن هذا الرجل كان المسرحى والممثل عبدالفتاح البارودى، ويكمل: «كنت أنوى الرحيل بالفعل نهائيًا بعد كلمات هذا الرجل المحبطة لى، لكن حين أخطأ فى حق نجيب محفوظ، أدركت أنه لا يفهم، وأن رأيه لا يمكن أن يعتد به بأى شكل من الأشكال».

هذه هى قيمة نجيب محفوظ، الكاتب الشاب يؤمن بقيمة «نجيب» أكثر من إيمانه بنفسه، تلك القيمة التى استمد منها ثقته وإيمانه بنفسه، ليبقى ويستمر ويعافر، ويصبح أهم كتّاب السينما المصرية.

ولكن يبقى سؤال مهم: لماذا لم يستغل وحيد حامد هذه القيمة الكبيرة لنجيب فى أعماله السينمائية؟

وهذه إجابة خاصة يكشف عنها بنفسه: «ليس بالضرورة أن أحول أعماله إلى السينما، عالم نجيب محفوظ وشخصياته دائمًا حاضرة، وبشكل غير مباشر، فى أعمالى دون أن أشعر، ثم أنا أشعر بأننى لست محظوظًا مع أدب الأستاذ نجيب، وأسأت له، فأفشل فيلم فى حياتى كان عن روايته (الحرافيش) وهو فيلم فتوات بولاق، وهذا الذى جعلنى أخشى الاقتراب مرة أخرى من أدبه إلا بحذر».

أسامة أنور عكاشة:استلهمتُ منه التقاط الشخصيات من «قعدات القهاوى»
يقولون إن أسامة أنور عكاشة هو النجم الأول فى الكتابة التليفزيونية، لكن هل تعرف أن أول من أعطاه لقب «رائد الرواية التليفزيونية» كان نجيب محفوظ؟

هذا السر يكشفه الناقد الفنى محمود عبدالشكور، الذى يروى أنه فى نهاية الثمانينيات كان يسعى لإجراء حوار صحفى مع نجيب محفوظ، وحين ذهب لإجراء الحوار، رأى أسامة أنور عكاشة خارجًا من مكتبه وعلى وجهه ابتسامة.

ويحكى «عبدالشكور» أنه عرف بعد ذلك سر تلك الابتسامة على وجه الكاتب الكبير، إذ وصفه «محفوظ» بـ«رائد الرواية التليفزيونية»، وأثنى على أعماله التى يقدمها، ووصل تأثر عكاشة بكاتب «الحرافيش» إلى الدرجة التى جعلت اسميهما ملتصقين، فأصبح أسامة هو نجيب محفوظ الدراما التليفزيونية، لأنه استطاع أن يقدم الحارة المصرية فى التليفزيون بنفس القدرة التى قدمها نجيب فى رواياته، وابتكاره الشخصيات من الواقع، والقدرة على التقاط التفاصيل.
ومن بين صفحات كتاب «نكاية فى الجغرافيا»، لهشام بن شاوى الذى سجل فيه عدة حوارات أجراها مع شخصيات مختلفة، كان بينها أسامة أنور عكاشة، يحكى خلاله الأخير أن «نجيب محفوظ هو مهندس الرواية الأول، أستاذ كل الأجيال، تعلمت منه أن ألتقط شخصياتى من قعدة القهاوى، هو الأب لنا جميعًا، محدش من الأدباء الصغار بمقدروه أن يصل للكبار ويجالسهم إلا نجيب محفوظ، هذا استثناء، يجالسنا ويتحدث إلينا ويستمع لنا بتواضع، ودائمًا يبتسم، فرغم نجوميته لم يكن يعيش فى برج عاجى».

ولا يعرف كثيرون أن أسامة أنور عكاشة كان قد عرض عملًا أدبيًا فى شبابه على نجيب محفوظ، فقال له الأخير: «قدرتك على إدارة الحوار فى شخصياتك مذهلة».

هذه هى نبوءة النجيب المبكرة وأخلاقه الرفيعة، فهو لم يكسر بقلب هذا الشاب ليحبطه، حيث لم يلمس فيه كاتب روايات أدبية، لكنه التفت إلى الشىء الأكثر ميزة فيه، وهى كتابة الحوار، وبالفعل فشل «عكاشة» أن يكون أديبًا، كما اعترف فى كتابه «همس البحر»، ولكنه أصبح من أهم كتّاب الرواية التليفزيونية، وصاحب أهم وأبرع الحوارات فى تاريخها.

بشير الديك: لا أذهب إلى الكتابة أبدًا إلا بعد القراءة له
الكاتب الكبير بشير الديك له وجهة نظر حاسمة فى نجيب محفوظ، حيث يعتبر أعماله المرجع الرئيسى لأى كاتب يرغب فى صناعة بصمة حقيقية فى الساحة الفنية والأدبية.

ويعبّر «الديك» عن وجهة نظره تلك، بقوله: «باختصار، من لم يقرأ لنجيب لم يقرأ من الأساس، هناك عمالقة لا بد أن يقرأ لهم الجميع، مثل ديستويفسكى، وماركيز، ومعهم نجيب محفوظ».

ويروى كاتب السيناريو الكبير أن طقوس الكتابة لديه ارتبطت بشكل كبير بنجيب محفوظ، قائلًا: «أنا لا أذهب إلى الكتابة إلا بعد القراءة لأديب نوبل، ومعه بالتحديد ديستويفسكى، لأنهما متشابهان فى مناطق عديدة، فأنا حين يمتلئ خيالى بعالم صاحب الثلاثية أشعر بحماس شديد وأذهب إلى المكتب كى أجلس وأكتب، وهذا هو معنى الإلهام الحقيقى».

هل هذا يعنى أن نجيب محفوظ ملهمك الأوحد؟ سؤال يجيب عنه «الديك» بقوله: «ليس ملهمى الوحيد، لكنه يلهمنى دائمًا بعمق شخصياته، وروعة التعبير عنها، والدخول إلى أدق التفاصيل التى تجعل أى كاتب، وليس أنا فقط، يخرج بأفكار أخرى، هذه هى قيمة الكاتب الذى يضرب بعمقه فى أعماق الآخرين، ليخرج أشياء بداخلهم، لم يستطيعوا أن يصلوا إليها بأنفسهم».

ولا ينكر كاتب «سواق الأتوبيس» أن نجيب محفوظ صاحب فضل على كل الأجيال، سواء السابقة أو الحالية أو التى ستأتى فيما بعد، فيؤكد أن «نجيب قدم لوحة إنسانية للبشرية، وليس المجتمع المصرى فقط، ستظل الأجيال المتعاقبة تقف أمامها، لتندهش وتنبهر، وتلتهم من خلالها الأفكار والحماس للإبداع».

ويعتز بذكرياته مع نجيب محفوظ، كاشفًا: «كنا نجتمع كل أسبوع فى مقهى ريش بوسط البلد، نلتف حوله، ويشرح لنا ونتعلم منه، هو الذى علّمنا الكتابة ويعنى إيه رواية».

ولم يكتفِ «الديك» بذلك، بل يعترف بأنه يتعامل فى الحياة بنفس مبادئ نجيب محفوظ، فحين أبدى رأيه فى مسلسل «الطوفان»، المأخوذ عن فيلمه، قال: «شوف.. أنا مثل نجيب محفوظ، تنقطع علاقتى بالعمل الأدبى بمجرد خروجه إلى وسيط آخر، والمسئولية تقع على عاتق الآخرين وليس أنا».

 

author-img

محمد محمود ثابت

Commentaires
    Aucun commentaire
    Enregistrer un commentaire
      NomE-mailMessage