JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

recent
عاجل
Startseite

يا "ويل سميث".. والله لن تأخذ جائزة عن دورك فى "collateral beauty"



قبل أن تقرأ

يجب توضيح مفهوم عملية النقد الفني

النقد بالنسبة لكثيرين، هو أن تخرج بعد مشاهدة أي عمل وتقول هذا صح وذاك خطأ، ثم تبدأ فى عملية التقييم من خلال عناصر العمل الرئيسية، دون الالتفات إلى أي شيء آخر.

وللأسف هذه النوعية من النقاد، تتعامل مع العمل الفني مثل "محصل الكهرباء"، الذي يذهب لقراءة أرقام ومؤشرات العداد الكهربائي، طبقا لمقاييس حددها الآخرون له مسبقا، فهذا الناقد لا يتعامل بحس أو ذوق مع العمل الفني، ولكنه يتعامل مع نظريات وقواعد جامدة ويغفل أشياء كثيرة، منها التفاعل والانفعال، اللذان يعتبران أهم عنصرين يجب توافرهما، قبل البدء فى تكوين أي رأي وانطباع.

هناك نقاد آخرون، يتعاملون بانطباعاتهم؛ بحسهم ومشاعرهم وكل كيانهم، فيضعون أيديهم على جماليات العمل التي لم ترها عيون الآخرين، وهذا ما يجب أن يتوافر لدينا، فقد يكون العمل الفني ممتازا من كل النواحي النظرية، لكنه بلا إحساس، مصطنع،  وهذا الإحساس إذا وصل للمتلقي، فمعنى ذلك، أن العمل الفني فقد قيمته وتأثيره؛ لأن أي فن لا يطرق أبواب قلبك ويهزها، لا يمكن أن يسمّى فنا حتى وإن التزم بكل النظريات والقواعد.

يقول طه حسين، عميد الأدب العربي: "إنما أرى العمل الفني والأدبي بقلبي وذوقي".

فمثلا لا يمكن أن أقول على فيلم "الجمال الجانبي" لويل سميث، الذي يعرض حاليا، أنه قطعة فنية جيدة، أو أنه فيلم حرّك مشاعري ووجداني، فلا صدق ولا دفء في هذا العمل الذي جمع كبار نجوم هوليود؛ بدءا من ويل سميث وكيت وينسيلت، مرورا بهيلين مرين وإدوارد نورتون، وانتهاء بكيرا نايتلي.
لقطة من الفيلم
فإذا شاهدت "الجمال الجانبي"، فكن على علم أنك على موعد مع الابتزاز العاطفي الذي سيمارسه صناع العمل تجاهك، فهو يريدك أن تبكي وتتأثر وتنتحب داخل قاعات السينما، لكنه يفشل؛ بسبب أمور عديدة، أهمها هو أن أبطال العمل كانوا باردين فى أدائهم، كأنهم يؤدون هذا العمل إجبارا، أو أن هناك أقساطا مالية عليهم، فاضطروا إلى قبول هذا الفيلم.


نحن أمام قصة تحكى عن رجل يدعى "هاورد"، رجل ناجح فى عمله وشركته الإعلانية، لكن تموت ابنته الوحيدة ويقرر الانعزال عن العالم كله، فيبدأ فى مراسلة ثلاثة أشياء، هم "الحب والموت والوقت"، وبطريقة أو بأخرى، يساعده أصدقاؤه فى الشركة ويتفقون مع ثلاثة ممثلين كي يجسدوا هذه الثلاثية ويظهروا له، ليتحدثوا معه حتى يقنعوه بالعودة مرة أخرى للحياة والعمل.


يقول "هاورد" فى أول مشهد بالفيلم: "نحن هنا لنتواصل معا.. الحب والوقت والموت.. هذه الأشياء تجمعنا؛ تجمع كل البشر، فنحن نشتاق إلى الحب ونتمنى أن يكون لدينا مزيدا من الوقت، لكننا نخشى الموت". 

بعد أن قال هذا، أدركت أن العمل في بدايته، يحاول أن يعلّي من قيمة التواصل الإنساني، وأهميته فى مساعدة الآخرين لتخطي أزماتهم ومشكلاتهم النفسية، وهذا تجلى فى الفيلم، في شخصية "هاورد" الذي يخاصم التكنولوجيا الحديثة بكل أشكالها، فهو يراسل ثلاث قيم مجردة عن طريق "البوسطة" وليس الموبايل أو الإنترنت، كما أنه لا يذهب إلى عمله بالسيارة، بينما بالدراجة التى كانت إشارتها واضحة بأنه تحدي للوقت والطريق والتمدن الذي بنى جدارا عاليا بين الناس وبعضها. 


هذه الرسالة أيضا، كانت واضحة فى شخصية "ويت" التي قام بها إدوارد نورتون، فهو شخص مطلق، ترك زوجته وابنته، نجد فى أحد المشاهد التعريفية بالخلفية الاجتماعية لـ"ويت"، طفلة صغيرة تنتظره، تكلمه باحتقار، تقول له: "أنت جرحت أمي.. أنا أكرهك"، ثم نعلم أنها ابنته، ويصر السيناريست آلان لوب، أن يقول لنا إن رسالته هي أهمية التواصل الإنساني وجها لوجه وتأثيره على النفس وردود الأفعال، فتقول له الطفلة: "أنا فضلت أن آت لك بنفسي وأكلمك لتعرف الحقيقة.. نحن لن نخرج معا هذا الأسبوع". 

الفيلم أيضا يقول إن الإنسان يمكن أن تتبدل كل أحواله وأحزانه وآلامه إذا وقف أصدقاؤه بجانبه، إذا احتضنوه واهتموا بأمره، فـ"هاورد" الذي ماتت ابنته بمرض السرطان، لم يكتف أصدقاؤه بأن يرسلوا له رسالة باردة نصها: "شد حيلك" أو تعليقا فيه: "البقاء لله"، لكنهم قرروا أن يعالجوه ويجسدوا له الثلاث قيم التي يراسلها وهي "الحب. الوقت. الموت" ليتواصلوا معه كى يحتضن الحياة ويعود إليها مرة أخرى.




ما المشكلة إذن؟ المشكلة هي أن هذه الفكرة العميقة والثرية عولجت بسطحية لا مثيل لها، كأن المخرج ديفيد فرانكل، طعن المشاهدين فى رقبتهم قبل أن يخرجوا من قاعات السينما، فهذه الفكرة العميقة التي يتجسد فيها الحب والموت والوقت، أمام البطل الحزين، المتألم، المضطرب عقليا، كان يمكن الاستفادة منها دراميا أكثر من ذلك، وأن تبهر مشاهدها بطريقة أعمق من التي خرجت، فعندما تجسد الحب، فى شخصية "إيمي" التي قامت بها الممثلة كيرا نايتلي، والموت فى شخصية "بريجت" التي قامت بها النجمة هيلين ميرين، والوقت فى شخصية "رافي" التي قام بها ممثل شاب اسمه جاكوب لاتيمور، كنا نتظر مفاجآت وسخونة دراماتيكية، إلا أننا فوجئنا بأن السيناريو يعود إلى الوراء ونقطة البداية، ووجدنا الفيلم يغرق مرة أخرى فى مشاهد وحوارات لتعرفك بنوايا الشخصيات التي ستمثل الثلاث قيم، ثم الاسترسال فى تفاصيل حياة أصدقاء "هاورد"، بطريقة مملة وحوارات لا يمكن إلا أن تنام وأنت تسمعها.

كل هذه الحبكة حدثت فى لمح البصر، وبطريقة قطع مزعجة وموترة بين كل لقطة وأخرى، ولم يظهر ويل سميث فى النصف الأول من الفيلم، إلا فى لقطات سريعة تكشف لنا عن روتين حياته، وإهماله لعمله وانكبابه على رص قطع الدومينو، التي تنهار فى شكل بصري رمزي رائع، وهو يعتبر الشيء الوحيد الجميل فى العمل، الذي أشار لي على معنى اسم الفيلم "الجمال الجانبي"؛ وهو يعنى أن أي سقوط وانهيار، يكون له جانبا من الجمال حتى في شكل انهياره، وهذا ما اتضح جليا فى حوار "هاورد" مع "إيمي" التي تمثل الحب، عندما قالت له: "أنا كنت فى ضحكة ابنتك.. وأنا أيضا فى ألمك"، وهذا يعني أن كل شيء مهما كان سيئا، فهو له جانب من الجمال. إنها فكرة فلسفية، تعتمد عليها كل كتب التنمية البشرية، ونرددها يوميا فى حياتنا بمقولة قريبة وهي: "بص لنص الكوب المليان". 


المشكلة الأخرى مع ويل سميث فى هذا العمل، هو محاولته أن يظهر جادا جدا فى العمل حتى يحصل على جائزة، كما أن محاولات الانفعال والبكاء، بدت لأول مرة وأنا أشاهد "سميث" بأنها مفتعلة، فمحاولاته أن يظهر حزينا ومتأثرا لم تحركني ولم تهزني، ربما لأن الأجواء العامة للعمل باهتة وباردة وبطيئة ولا طعم لها، فظهر أداؤه فقيرا للغاية خصوصا لأنه لم يتم كتابة حوار طويل له، لذلك حاول أن يستغل جسده وتعبيرات وجهه طوال الفيلم، باستثناء مشهده مع هيلين ميرين فى القطار، الذي كان حوارا طويلا له حيث صرخ فى وجهها وقال لها إنه لا يصدق الشعراء ولا والكتاب ولا كل هؤلاء الذين يحاولون أن يجمّلوا كل شيء سيء حولنا. 

فـ"سميث" يصر على تقديم الأعمال الدرامية، ومقتنع تماما أنه لن يحصل على أوسكار إلا من خلال هذه الأدوار، لكن عينه النصف مغلقة التي ظهر بها فى معظم مشاهد الفيلم، يبدو أنه يسير بها فى حياته الواقعية وصار غير قادر على اختيار نصوص قوية بحجم موهبته ونجوميته. 

أما باقي طاقم الفيلم، أمثال كيت وينسلت وإدوارد نورتون، فالإحساس الذي يصل للمشاهدين من خلال دورهما، هو أنهما يمثلان فى العمل غصبا عن إرادتهما، كأن كيلت وينسلت صادفت كاميرا المخرج أثناء تجولها فى الشارع، فقررت الوقوف أمامها وأداء هذا الدور، وكأن "نورتون" يظن أن وسامته واسمه الكبير كافيان، وأنه لا يحتاج لبذل أي جهد حتى لو بوجهه كي يصدقه الناس.

ويل سميث وهيلين ميرين

 نهاية الفيلم كانت مفاجئة، لكننى لم أتفأجأ لأن حسرتي أفقدتني عملية الإحساس بأي مفاجأة أو أي انبهار، فحسرتي كانت على هذه الفكرة الرائعة التي ضاعت فى يد مخرج كان متعجلا، وسيناريست لم يكتب ورقه بضمير أكثر من مرة بخيال أنضج وجهد أوفر، لذلك لا عجب أن نرى قصة رائعة أضاعها ممثلون كبار بأداء نمطي للغاية، ومخرج ومؤلف كانوا على عجالة وهم يعملون، لأنهم يسعون وراء المال ومجرد التواجد فى موسم "الكريسماس"، لذلك كان مصير الفيلم فى ذيل قائمة إيرادات أفلام هذا العام، طبيعيا، أمر طبيعي جدا لأن الجمهور لا يتعاطف مع الأفلام السيئة ولا يرى أي جانب من الجمال فيها.

author-img

محمد محمود ثابت

Kommentare
    Keine Kommentare
    Kommentar veröffentlichen
      NameE-MailNachricht