JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

recent
عاجل
Home

لماذا ستفشل مفاوضات شرم الشيخ؟

 




منذ اللحظة الأولى لانفجار الحرب على غزة، كان لي رأي واضح لا لبس فيه: تحميل حركة حماس المسؤولية الكاملة عما يجري. 

فلو أنها انسحبت بعد أسابيع من عمليتها التي لم تحقق أي من أهدافها، وتوقفت عن هذا العبث، لكانت قد أفشلت مخطط نتنياهو وسائر مجرمي الحرب في إسرائيل، ولما وجدوا الذريعة المثالية لتنفيذ عمليات الإبادة والقتل المنهجي ضد الشعب الفلسطيني.

لكن يومها، قوبلت آرائي ـ أنا وغيري ممن يحملون ذات القناعات ـ بالشتائم والاتهامات، ووصفونا بأننا عملاء للاحتلال، خونة، مستسلمون.

 قيل لنا، بمنتهى الوقاحة: "لا يفتي قاعد لمجاهد!"، رغم أن قناعاتنا، في جوهرها، تقف في صف الشعب الغزاوي، ذاك الشعب الذي لطالما نادى بوقف الحرب، بينما يصر أولئك في العواصم، من القاهرة حتى أوروبا، على أن المأساة يجب أن تستمر مادام حركة المقاومة ترى ذلك، وكأن القتال بالنساء والأطفال هو أشرف أشكال المقاومة!

واليوم، بعد عامين من القتال غير المتكافئ، بعد آلاف الشهداء، وبعد أن تحولت غزة إلى ركام، ها نحن نرى المقاومة الباسلة على طاولة المفاوضات، يناقشون بقاءهم أو نزع سلاحهم.

يتفاوضون بلا أي أمل في عودة غزة لما كانت عليه قبل 7 أكتوبر، والمفارقة أنهم يصورون ذلك انتصارا، كأنما كانت الحارب لأجل تحرير رهائن إسرائليين، وأسرى فلسطينيين تم أسر أغلبهم أصلا بعد 7 أكتوبر، وكأنما ما جرى من دمار هو الثمن المقبول.

على جانب آخر، الأطراف الوسيطة تستغل المفاوضات للترويج سياسيا لنفسها، فمصر، من جهتها، ترى أنها تحقق إنجازا تاريخيا وتسوق لقوة أوراقها الإقليمية، وربما لا بأس في شيء من المبالغة طالما أن ذلك يصب في مصلحة بلدي، لا أكره لبلدي أن تتصدر المشهد حتى لو بالأونطة، مادام المبالغة مكسب لنا، فليكن. لكنني أخشى الإفراط في التفاؤل، وهو ما سأوضحه لاحقا. 

أما الولايات المتحدة أو ترامب بالتحديد، فيعيش حالة من النشوة المصطنعة، يسعى لإتمام هذه المفاوضات بأي ثمن، بأي بنود، سواء كانت عملية أم لا، المهم هو التسويق الإعلامي لإنجاز "تاريخي" قد يمهد الطريق نحو نوبل للسلام، أو أي مكسب سياسي.

ولا أدري بأي منطق يفكر رجل في أن يمنحوه نوبل، وهو لم يقدم خطة منذ توليه حكم الولايات المتحدة، ولا فعل شيئا، ثم قرر في لحظة استعراض بعد عام كامل، أن يقنع نتنياهو بالتروي ليجلس على الطاولة مع الحمساويين
!

هل هذا إنجاز؟ أن توقف نزيفا استعر تحت سمعك وبصرك؟!  

ربما كنت سأفهم هذا الإنجاز وأعترف به، لو كان ترامب ينوي انسحابا إسرائيليا كاملا من غزة، أو أن يبعد حماس عن المشهد نهائيا، أو مثلا أوقف الحرب الروسية الأوكرانية، عندها ربما نقول إنه يستحق نوبل بل نوبلين ثلاثة لو أحب.

 لكن الرجل، كعادته، استعراضي لا يعنيه جوهر الحلول، بل النتائج السريعة، بغض النظر عما إذا كانت مستدامة، لأن المهم لحظة الإنتشاء الإعلامي له.

أما قطر كعادتها، تروج عبر آلتها الإعلامية أنها صاحبة الدور الأبرز في وقف الحرب، وتمنح لحماس منصاتها لتقول إنها انتصرت وأجبرت العدو على الجلوس إليها ليسترد رهائنه، وكأن نتنياهو حارب سنتين ببشاعة لتحرير كام رهينة! 

والمتتبع بدقة، يدرك جيدا أن مسألة الرهائن لم تكن سوى ستار، لم يكن يحتاج نتنياهو لرهائن قدر ما كان يحتاج لسبب يبرر به إبادة شعب غزة، وهذا ما قدمته له حماس على طبق من دماء. 

ومن لا يدرك حاجة أي دولة إلى شرعية في أعمالها العسكرية لا يفهم شيئا. حتى أمريكا، القوى العظمى، تحتاج إلى ذرائع لشن حروبها، فلماذا أعطيتم لنتنياهو شرعية؟ 

عامان من الصراخ ولم يستمع إلينا أحد، للأسف.

وأعود لأؤكد أن مواقفي لم تكن تحليلات سياسية، بل بصيرة حقيقية، إحساس داخلي نافذ، لا تحكمه العواطف ولا زيف الشعارات. 

ولقد شرحت في مقال ما أسميه نظرية الجوكر وباتمان في غزة، العلاقة التكافلية بين نتنياهو وحماس، فحماس في أفضل تعبير ابتكره العبد لله، إكسير الحياة السياسي لنتنياهو، وكل منهما يغذي الآخر، لأن وجود حماس يضمن له إعاقة أي تسوية سياسية دائمة، فوجود حماس المتشددة، ذات الخطاب الهزلي في "إزالة إسرائيل"، يخدمه أيما خدمة.

ولهذا السبب مثلا، يرفض نتنياهو الجلوس مع السلطة الفلسطينية. لأن السلطة، رغم كل مآخذها، جهة معترف بها دوليا، ولها تاريخ طويل في المقاومة قبل أن تولد حماس. 

وجود السلطة يعني فتح باب التسوية الحقيقية، وحل الدولتين، وهذا هو كابوس نتنياهو، لذلك يفضل هذا الانقسام الفلسطيني، وتشتيت الجميع.

لهذا كانت العلاقة بين حماس وإسرائيل، تاريخية، وموثقة، حيث دعمت إسرائيل شبكة أحمد ياسين بهدف إضعاف منظمة التحرير، بل شجعت لاحقا التحويلات القطرية لحماس، حتى حين واجه نتنياهو معارضة داخلية، لم يفهم معارضوه لماذا يفعل ذلك، وليس هناك دليل أكثر ما اعترف به رئيس وزراء قطر الذي قال صراحة إن أمريكا طلبت منهم استضافة قادة حماس.

 ومن هنا ندرك أن وجود حماس هو الضامن لاستمرار اللا حل.

والمذهل، حين أعلن ترامب عن خطته، دهشت من وجود حماس كطرف فلسطيني، وتعجبت من وجودهم على طاولة المفاوضات وحدهم يمثلون الجانب الفلسيطيني. بأي صفة؟ بعد أن دمرت غزة، وشردت أهلها، وأفقدت نفسها أي شرعية؟، ها هي تفاوض. 

فلماذا لم تفاوض قبل عام ونصف مثلا؟ هل انتهت مهمة الإبادة؟ هل تحقق الهدف؟ أم أن إسرائيل تناور؟ وأين السلطة الفلسطينية؟ هل غزة ملك حماس فقط؟.. هل اختطفوها للأبد؟ وهل يقبل الشعب الغزاوي على أن تمثله؟ الجميع يعلم ـ من صرخات الناس على منصات التواصل ـ أن الغزاويين يكرهون حماس أكثر من إسرائيل.

أما بخصوص بدء مفاوضات شرم الشيخ، فقد نجحت المرحلة الأولى شكليا لتبادل الأسرى، ولكن بقيت مرحلتان أهم، ولا أعلم سبب هذا الاحتفاء العربي المبالغ فيه بنجاح أولي في حين أن الحرب لم تنته، فالورقة الإسرائيلية تتحدث عن "تعليق" العمليات، لا وقفها.

للأسف الكل يسوق لنفسه سياسيا، وكأن المرحلة الأولى نهاية كل شيء.

وهذا ما أشرت إليه في بداية مقالي، بأنني سأشرحه لاحقا، فالتسرع في الاحتفال، والمبالغة في التسويق المصري لدور الوسيط العربي، قد تنقلب ضدنا لاحقا، فإن فشلت المرحلتان القادمتان، فسيكون من روج كصاحب الإنجاز هو نفسه من سيتحمل مسؤولية فشل السلام وعودة الحرب. 

السياسة لا تعترف بالنوايا، بل بالنتائج، وهذا ما أخشاه.

لذلك الاحتفاء بمرحلة أولى، دون أن نتوقف عند التعقيدات الاستراتيجية التالية مثل نزع سلاح حماس أو الانسحاب الإسرائيلي الكامل أو مسار القضية ومصير الشعب في غزة، يكشف سذاجة لا مثيل لها، خاصة وأن نتنياهو يؤكد مرارا أن الجيش الإسرائيلي سيحتفظ بوجوده في غزة، وهو ما يتعارض جذريا مع أي احتفالات واحتفاءات من جانب الوسطاء وأنصار مهاويس المقاومة.

الغريب أنه لا أحد يتوقف عند تهديدات جيش الاحتلال بالعودة إلى القتال إذا فشلت المفاوضات أو إذا خرقت حماس أي بند.

والسؤال: هل ستوافق حماس على نزع سلاحها؟ بالطبع لا. 

وهل ستقبل ببقاء جنود الاحتلال في القطاع؟ أيضا لا. 

فكيف لها أن تبرر ذلك لأتباعها؟ ربما توافق وستسميه انتصارا كالعادة، فالله أعلم.  

ولهذا في اعتقادي، أن المفاوضات ستطول بلا نهاية، وستعمل إسرائيل على إطالة أمدها لتشرعن وجودها، وتشتت الجميع، بما فيهم الوسطاء، هذه طبيعة التفاوض الإسرائيلي، لمن يعرفه جيدا: إطالة الزمن، تمييع البنود، واستغلال الوقت لصالحها. 

وفي المقابل، ترى حماس أن هذه المماطلة الإسرائيلية ستكون فرصة ذهبية لتعويمها من جديد، وإعادة تسويقها كحاكم فعلي لغزة، بعد أن أنقذتها المفاوضات من الموت، وهي الآن لا تجلس لتفاوض على مصير الشعب أو حقن الدماء، كما يعلم أي عاقل، هي تجلس بعد عامين لتأمين مصير قادتها وأموالها ودورها السياسي المستقبلي.

 لو كانت تريد مصلحة شعبها لجلست قبل عام ونصف على الأقل.

وهكذا، فإن كل طرف يستخدم المفاوضات لأهدافه، وإسرائيل ستستفيد من إطالتها لترسيخ الحصار، وتحويله إلى وسيلة تهجير ناعمة، هذه المرة بأيدي الفلسطينيين أنفسهم، لا بأيديهم عبر الحرب والإبادة الممنهجة.

طبعا ستقول في سرك: أروج لـ"نظرية مؤامرة"، ولا أعرف ما العيب في نظرية المؤامرة، العالم كله يتآمر، والمؤامرة واقع، لذلك ما يظهر من تضخيم إعلامي لعصابات داخل غزة،  ونية حماس لمحاربتهم باعتبار هذه العصابات عونة الاحتلال داخل غزة، يدل على أننا أمام إعادة إنتاج للفوضى تحت غطاء المفاوضات والوصول للتوافق الفلسطيني، ولن ينتهي الاحتلال، ولن يبدأ الإعمار، وستبقى غزة رهينة للموت، بينما تتواصل المفاوضات العبثية.

فهي لهذه الأسباب وأكثر، لن تنجح، لأن التاريخ يعيد نفسه، فكم مرة خرقت اتفاقات التهدئة؟ إسرائيل نفسها خرقتها دون حساب، كم مرة فشلت المفاوضات حتى مع فترات أفضل وحكومات إسرائيلية أقل تطرفا من الحالية. 

مفاوضات أوسلو مثلا مع رابين فشلت، بعد أن استخدمت إسرائيل عمليات حماس ذريعة، وفشلت كامب ديفيد عام 2000 بسبب الاستعجال الأمريكي وخلافات فنية.

ففي هذه المفاوضات كان كل شيء على ما يرام في البداية، لكن التنفيذ دائما ما يفشل، ويعود المشهد لنقطة الصفر، بل ما قبل الصفر، وهذا ما سيحدث في مفاوضات شرم الشيخ.

لأن معضلة المراحل القادمة كما قلت، تكمن في من يحكم غزة؟ هل تتركها حماس؟ مستحيل.

 هل يمكن توافق وطني بين حماس والسلطة؟ مستحيل، فحماس تقبل بالجلوس مع إسرائيل لكنها ترفض مجرد اللقاء مع محمود عباس
!

والحقيقة أن المفاوضات لا تنجح إلا بتنازلات، ولا يوجد وسيط في العالم يمكنه فرض ضغط حاسم على إسرائيل، لأنها الطرف الأقوى. 

فالتفاوض غير متكافئ، فنحن أمام قوى محتلة تسيطر على الأرض والمعابر والحياة داخل القطاع، في مقابل طرف آخر يعاني من ضعف الاعتراف وتعدد مرجعياته، ويصر على عدم التنازل.

من ثم، فهذه المفاوضات ليست لحل الصراع، بل لإدارته. تجميد للوضع لا أكثر، هدنة مؤقتة، بل وهم مؤقت. 

ولهذا أراها مفاوضات محكومة بالفشل.

والأغرب، أن البعض سيرد ويقول: "طالما أوقفت الحرب، فهي مفاوضات عظيمة وانتصار عظيم".

وأقول لهؤلاء: أين كنتم طوال هذه الشهور؟ ولماذا الآن أصبح وقف الحرب أهم من كل الشعارات التي "قرفتونا" بها؟ لماذا تبررون التنازلات وهذه الخسائر وكأن الحرب فجأة أصبحت بلا معنى ولم يكن لها هدف؟ أنتم بلا مروءة.

فحتى لو توقفت الحرب، فالمعاناة باقية.

 لن تنتهي معاناة شعب غزة إلا بزوال الاحتلال. ولن يزول الاحتلال وتنهض غزة إلا بزوال حماس.

author-img

محمد محمود ثابت

Comments
    No comments
    Post a Comment
      NameEmailMessage