JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

recent
عاجل
Home

الجوكر وباتمان في غزة



أنا واحد من هؤلاء المؤمنين أشد الإيمان من زمن بعيد، أن حماس وإسرائيل لا أعداء ولا يحزنون. 

الذين يحزنون ويصرخون وينكسرون.. هم أهل غزة فقط.

لكن، لم يكن باستطاعتي أن أقول ذلك ولا أن أعبّر عنه ولا ألمّح له، لأنني وقتها كنت أعرف أنني سأبدو مجنونا هوسته نظرية المؤامرة، فالناس أغلبهم لم يطلعوا على التاريخ وأحداثه، ولا أغلبهم يعرف شواهد الماضي وما حدث فيه من مهازل وجرائم بأيدي حماس. آلة الكذب الإعلامية على مدار سنين أضاعت عقولهم تماما.

لكن الآن ونحن نعيش التاريخ، ونشاهد الحرب على الهواء حصريا، أستطيع أن أقول وأعبّر وأصرخ وأؤكد، أن العلاقة بين حماس وإسرائيل ليست صراعا مسلحا، وليست مقاومة ضد احتلال، وليست حتى خصومة بين فصيل ثائر ودولة محتلة. 

هي علاقة أشبه بعلاقة الجوكر وباتمان، في فيلم "فارس الظلام"، اثنان يبدوان لنا كعدوين، ولكن إذا نظرنا بعمق، نجد أنهما وجها عملة واحدة. يتصارعان في معركة لا يسعى فيها أحد للفوز، لأن الهزيمة معناها نهاية اللعبة. 

لا أعرف إن كنتم تتذكرون معي الجملة الشهيرة في الفيلم التي قال فيها الجوكر لباتمان عندما أمسك الأخير به: "لا أريد قتلك.. أنت تُكملّني"، هذه الجملة اعتبرها كثيرون مجنونة ضمن أفعال وتصرفات الجوكر غير المعقولة، لكن أنا لم أرها كذلك، كنت أراها جملة صادقة وعميقة، لأن الجوكر لا يريد حسم اللعبة، بل يريد استمرار الفوضى، وكذلك باتمان لا يتمنى في أعماقه أن يقتل الجوكر، لأنه بدون الشر يفقد دوره كبطل.. لذلك كلما أمسك به.. تركه يفلت!

هذا بالضبط ما يحدث بين حماس وإسرائيل، عدوان لا يريد أي منهما اختفاء الآخر، كلاهما يكمل الآخر. إسرائيل بحاجة إلى حماس لتقنع العالم أنها ضحية للإرهاب، وحماس بحاجة إلى إسرائيل لتبقى راية المقاومة مرفوعة حتى وإن كانت ملطخة بالدم الفلسطيني.

إسرائيل بجيشها وتفوقها التكنولوجي وأجهزتها الأمنية يمكنها أن تنهي وجود حماس في أيام، لكنها لا تفعل، ولا أحد يريد أن يسأل نفسه.. كيف ولماذا لا تفعل؟!

إسرائيل التي هزمت ثلاثة جيوش عربية في ستة أيام، وغزت بيروت في يومين، ودمرت حزب الله وقادته في أيام، تريدون أن تقنعونا أنهم لا يقدرون على حماس!.. أي خلل هذا!

هل تعرفون لماذا؟ لأن بقاء حماس.. مصلحة إسرائيلية عليا!

ستتهمني بالجنون؟ نعم أعلم، لكن اسمع لما قاله نتنياهو في اجتماع أمام قادة الليكود في 2019: "علينا الحفاظ على حماس كجزء من استراتيجيتنا لفصل غزة عن الضفة وإضعاف السلطة الفلسطينية". 

ما قاله ليس خبلا ولا أوهاما ولا قولا عابرا، هي سياسة مرسومة بدقة وعناية وتم توثيقها في كتاب المؤرخ الإسرائيلي المعروف آدم أزار بعد أحداث 7 أكتوبر وهي على مسئوليته.

لكن هذا القول في نفس الوقت في الحقيقة لا يكشف لي شيئا عظيما مفاجئا. 

في 1999، خرج اللواء غازي الجبالي قائد الشرطة الفلسطينية في غزة ليقول ما هو أغرب، والمقطع الخاص به متوفر على مواقع التواصل يمكن أن تشاهده وتسمع بنفسك ما قاله. 

قال: "كلما اقتربنا من اتفاق سياسي مع إسرائيل، تحدث تفجيرات من حماس. وكلما اقتربت الانتخابات الإسرائيلية تظهر عمليات جديدة من حماس تخدم نتنياهو وتدفع شعبيته". 

هذا تصريح خطير من رجل أمني رفيع، وليس رأيا من شخص يجلس في القاهرة أو الجيزة لا يعرف شيئا ولا يعايش هذه المهزلة، لكنها ملاحظة من رجل في قلب الميدان وقلب المعركة، ولا تزال هذه الملاحظة تتكرر حتى اليوم، إذ كلما ضعفت شعبية نتنياهو تقع عملية كبرى من غزة، فتعود إسرائيل لتضرب وتغضب وتنتقم، ويصعد نجم نتنياهو مرة أخرى.. سبحان الله. 

اسمع أيضا إلى الإسرائيلي أفنير كوهين الذي أكد قائلا: "حماس.. صناعة إسرائيل"،

وكان يقصد أن الدولة العبرية في الثمانينات، سهلت صعود الحركة، لتضعف منظمة التحرير.

اسمع إلى الرئيس مبارك حين قالها أمام الجميع مصورة: "إسرائيل أنشأت حماس حتى تعمل ضد منظمة التحرير"، وغير هؤلاء كثيرين. 

لأن إسرائيل بشكل حاسم تريد حماس لا السلطة الفلسطينية، لأن السلطة تطلب دولة وهذا يزعج إسرائيل، أما حماس تطلب حربا واشتباكا وصراعا وهذا كما نقول "عز الطلب". 

لأن الدولة تفرض على إسرائيل التفاوض وهي لا تريده، أما فوضى الحمساوية فتعفيها من أي التزام سياسي أمام العالم أو الوسطاء على الأقل.

لهذا عندما أعود بالذاكرة للتاريخ وأحلله بمنطق، أتعجب من انسحاب إسرائيل من غزة في 2005.. وأسأل: كيف فعلت ذلك بهذه السلاسة؟.. ترامب نفسه سأل نتنياهو مؤخرا وقال له مستنكرا: لماذا انسحبتم من غزة؟

لكن الإجابة الآن أصبحت واضحة، إسرائيل انسحبت ولم تترك فراغا، بل سلّمت العصا، وبعد عامين فقط انقلبت حماس على السلطة واختطفت القطاع، ومنذ ذلك اليوم، تحولت غزة إلى ساحة مغلقة ومكررة من دم وأشلاء وأحزان فقط!.

حروب لا تتوقف منذ 2007، حرب 2008، و2012، و2014، و2021، و2023 إلى الآن، ونفس السيناريو كل مرة: صاروخ من غزة وقصف ساحق من إسرائيل، ثم دمار ثم شهداء ثم وساطة ثم تهدئة ثم صمت ثم حرب جديدة وكأنها أولمبياد، كل أربع سنوات!. 

والمؤسف والمستفز في نفس الوقت أن تخرج أصوات لتقول لك: "وماله.. أصل الجزائر وأصل فيتنام". 

والمؤسف أن هؤلاء حين يقولون ذلك يتعاملون مع الأرواح في غزة وكأنهم فراخ، لا يهم، فليموتوا من أجل المقاومة. أما الجزائر دفعت على مدار سنوات طويلة مليون شهيد ليرحل الاستعمار لأن الشعب قرر ذلك وليس أحدا قرر عنه، ثم ماذا يعني حدث بعد الاستقلال؟، لقد حكمت المقاومة وتحولت إلى سلطة والسلطة تحولت إلى استبداد والشعب عاد فقيرا ولم تعد جنة!. 

ستقول لي: "وماذا عن فيتنام التي ضحت بـ2 مليون"، سأقول لك ببساطة: ولماذا الهدف أن يموت الملايين؟ هل هو هدف في حد ذاته؟ غزة كلها 2 مليون مواطن مسكين، كيف سيموت منهم ملايين؟.. أما أنا فدعني أسألك سؤالا آخر: "ولماذا لا تكون غزة سنغافورة"؟ وقد تحققت لها كل شروط التقدم والتميز لتكون مثل سنغافورة، حتى أنهما نفس المساحة تقريبا أو أكبر قليلا، وقد تحقق لغزة الاستقلال في 2005!.

نهايته، كلنا يجب أن يعلم ويدرك أن غزة الآن لا تقاوم من أجل التحرير، لكن من أجل البقاء، وحماس لم تعد فصيلا مقاوما، لأن الشعب هو الذي يقاوم. 

حماس مجرد سلطة حاكمة مستبدة، تتحكم في كل شيء وتريد كل شيء، وتستفيد من كل مأساة، فالعدو يمنحها المبرر، والانقسام الداخلي يمنحها الشرعية، والدم يفرش لها اللقطة، لذلك هي لا تسعى إلى نهاية كما لا تسعى إسرائيل إلى حسم. 

وغزة المسكينة مثل مدينة "جوثام" في فيلم "فارس الظلام"، كما ترون، تحولت إلى مدينة أشباح، التهمتها النيران ولا تزال مشتعلة ولا أحد يطفئها. 

مدينة الناس فيها لا يموتون فقط، بل يستخدمونهم كخلفية للمشهد. وكل طفل يموت هو مادة خبرية مثيرة، وكل بيت يقصف مجرد فقرة مؤثرة في الخطاب ولجني آلاف الإعجابات والتعليقات، وكل أم ثكلى، مجرد كارت فعال لمنشورات المظلومية. 

والمحزن في كل هذا المشهد المأساوي، هي عبارات التخوين لمن يقول: أوقفوا الحرب. أو ينتقد حماس. فهذا المشهد بالنسبة لمن هو مثلي يفتقد للمنطق، ولن أقول الإنسانية. المنطق في خبر كان، بل محاصر كحصار الكهرباء والدواء والغذاء في القطاع. 

من ينتقد حماس خائن، ومن يسأل حتى: لماذا نحارب؟ يُتهم بأنه لا يفهم "النهج المقاوم" و"التكتيك الاستراتيجي"!.

المشكلة في الحقيقة ليست في الحرب الدائرة، بل المشكلة أننا اعتدناها واعتدنا أن نستيقظ على خبر القصف، وأن نشاهد صور الشهداء على العناوين وأن نكتب منشورا ونرفع علما، ونتقم من عبوة البيبسي والجيلي كولا، ثم ننام هانئين وسط عائلتنا وأحبائنا!.

لكن في رأيي وسيظل هذا رأيي، أن المعركة لا يجب أن تتلخص بين حماس وإسرائيل، المعركة الحقيقية يجب أن تكون معركة دولة لدولة. دولة فلسطينية شرعية موحدة لها عنوان في القانون الدولي، والمؤسف أن هذا ما تخشاه إسرائيل وتبعد أنظارنا عنه ليكون تركيزنا فقط مع هذا الفصيل، فالفصيل يمكن قصفه، أما الدولة لا.. الدولة تفاوض ويمكن أن تنتصر!. 

وأؤكد حماس ببقائها تعفي إسرائيل من الاعتراف بهذه الدولة، وتحرم الشعب الفلسطيني من مخرج حقيقي.

باختصار هذا الشعب لا يحتاج إلى مقاومة ولا يحتاج إلى أبطال، لأنه هو المقاوم وهو البطل. يحتاج فقط إلى من يوقف هذا العبث. 

نعم.. غزة تحتاج إلى قلوب تشعر بها، غزة الآن تنظر إلى الجميع وتقول في أسى: "كفى.. كفى". 

author-img

محمد محمود ثابت

Comments
    No comments
    Post a Comment
      NameEmailMessage