هناك حقيقة لا يحب أن يراها معظم الناس، هي أن إسرائيل قوة متفردة لها نفوذ هائل وتأثير عميق.
هذه الدولة الصغيرة من حيث الحجم والمساحة والسكان، استطاعت بفضل تخطيطها المُحكم والدعم الخارجي والداخلي، أن تبني نفسها وتفرض وجودها في محيط معاد عبر سنوات قليلة.
وإسرائيل كدولة بالنسبة لي، كيان ملهم، مدهش في صبره، في دقته، في تخطيطه، في مؤامراته، في إخلاصه لعقيدته، في فهمه لعدوه، الذي هو نحن.
نجاح إسرائيل في بسط نفوذها وسيطرتها على المنطقة بدأ بعد هزيمتها في أكتوبر 73، حيث تخلت عن غرورها كقوة لا تقهر، وسلكت طريقين جديدين:
الأول: استغلال ميراث الكراهية والطائفية بين العرب، فأشعلت وقسمّت وفرّقت، وكانت لاعبة بارعة في إدارة تلك الصراعات بل وخلقها أحيانا، ثم صدرت للعالم خطاب الاستضعاف أنها تعيش بين هؤلاء الوحوش الذين يهددونها.
الثاني: استخدام القوى العالمية كدرع واق يحميها من أي تهديد، وهذه الحماية ليست صدفة ولا مجاملة من العالم، بل نتيجة علاقات إستراتيجية واقتصادية وتوازنات دولية، وتحالفات متوازنة بحذر تارة ومندفعة تارة أخرى، جعلت في النهاية، هذا الكيان الصغير يتضخم، ويتحرك بحرية ضمن سياقات متنوعة ومعقدة في المشهد الدولي، فسيطرت بشكل كامل، لدرجة جعلتها الآن لا تخشى أي رد فعل يحاول ردعها.
في أحد هذه السياقات، يتحرك رجل يهودي متطرف اسمه بنيامين نتنياهو، كبطل وزعيم، وليس كرئيس حكومة.
حقق انتصارات مهولة، سحق خصومه الأشرار، وكل من كانوا يمثلون تهديدا مباشرا على المشروع الاقتصادي السياسي الجديد في المنطقة.
والمتأمل للمشهد العام، سيجد أن إسرائيل تكتب التاريخ وتمهد لمرحلة جديدة، بلا تهديدات من إرهاب صنعته أو لم تصنعه، أو تهديدات جماعات متطرفة أطعمتها في يوم من الأيام أو لم تطعمها، وبلا تهديدات من دول تعاديها وتستخدم شعبا من المساكين كورقة مساومة.
نتنياهو في هذا السياق، يتحرك بجدية وبعنف، لتحقيق هذه الرؤية، لذلك سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه كقائد نجح في تعزيز قوة بلاده ونفوذها.
في نفس الوقت يبدو أنه يخدم أيضا العرب ليريحهم من أسطورة الإرهاب الذي دمرهم، ويبدأ صفحة جديدة بعالم جديد بعرب مستضعفين، وكذلك الآن يبدو أنه بطل وهو يحارب الشيعة ويقضي على أسطورتهم، وهي خدمة جليلة لأهل السنة الذين لطالما اعتبروا الشيعة أخطر من اليهود أنفسهم!.
ورغم هذه الحقيقة السوداء، ورغم هيمنة إسرائيل على المنطقة، أرى درسا تاريخيا عالقا في ذهني، وهو 6 أكتوبر، حينما استطاع ضابط الإشارة المسكين الذي لم يكمل خدمته في الجيش، أنور السادات، أن يلحق بإسرائيل هزيمة لم تتوقعها ولم يتخيلها أحد، هذا الحدث التاريخي يؤكد لنا أننا بإمكاننا هزيمتها مرة أخرى.
ومع ذلك، نحن في مصر لسنا في موقف المواجهة مع إسرائيل، طالما أنها لا تعتدي علينا. بيننا سلام واتفاق، ومنذ السلام لم تطلق إسرائيل طلقة واحدة تجاهنا، ولا نحن.
وتاريخ مصر العسكري والسياسي معروف لك وللجميع، نحن لا نسعى إلى الحروب، وإنما نسعى للحفاظ على مصالحنا الوطنية فقط.
البعض اليوم وربما أنت منهم، يطالبنا بمساندة ميليشيات ودول عربية في حربها مع إسرائيل، مع أن التاريخ يؤكد لك أن مساندتنا لهم في الماضي، كما حدث مع قرار السادات مثلا بتطوير الهجوم لمساعدة سوريا، كانت لها تبعات مؤسفة، وانتقادات أنت لا تزال بنفسك تلاحق بها السادات حتى يومنا هذا.
في النهاية، قرار الحرب قرار مصيري، ومغامرة غير محسوبة طالما لم تُجبر عليها.
أما الذين يغامرون بالحروب، هم جرذان الأنفاق ومن اتخذوا شعوبهم رهينة لمساومات سياسية، وجيش مصر ليس جرذا أو مختلا ليقامر بشعبه، وإنما وُجد ليدافع عن شعبه وأرضه.. وإذا كنت معترضا على كلامي، فمعبر رفح مغلق نعم، لكن الحدود اللبنانية بلا معبر، اتفضل غور.