عندما سألوا المؤلف جورج مارتن، مؤلف سلسلة "صراع
العروش" عن أقرب شخصية إلى قلبه؟ قال إنه تيريون لانيستر.
كان هذا في مقابلة صحفية مع مجلة "ساينس
فيكشن".. قال إن جميع شخصياته بها مسحة من اللون الرمادي، لكن شخصية تيريون
بالتحديد، رمادية للغاية، بل تكان تكون أعمق في ظلها من اللون الرمادي، حيث اللون
الأسود والأبيض مختلطان تماما.. وهو ما جعلها شخصية جذابة وممتعة في الكتابة، هذا
إلى جانب خفة دمه وسخريته اللاذعة.. وذكائه.
أظن أن إجابة جورج مارتن، كانت دقيقة ووافية وملخصة،
فالسحر في شخصية تيريون لانيستر، هو أنه يجمع بين كل شيء ونقيضه، واقعي، خليط من
الحماقة والحكمة، الخبث والنبل، البؤس والبهجة، الأمل والخوف، الاشمئزاز والتعاطف،
هو المنبوذ لكن يستخدمه القادة كمستشار لهم، لذلك نحبه ونرى فيه أنفسنا.. فهو الأقرب إلى
واقعنا، عكس باقي الشخصيات في السلسلة، فإما هي شخصية خارقة أو خرافية، أو أميرة
طيبة، أو شخص نبيل، أو محارب كريم، أو امرأة متآمرة.
تيريون هو كل شيء، ذكي، يجيد قراءة الناس.. قراءة جيدة،
يعامل الرجال والنساء بطريقة واحدة،
خبيث لكنه رقيق وعطوف تجاه المنبوذين أمثاله، يحمل حسرة
وحزنا كبيرا بداخله.. لكنه لا يستسلم، بل يحتفظ بروح الدعابة والسخرية وسلاطة
اللسان طوال الوقت.. لدرجة أنك تشعر أنه قزم منتفخ ونرجسي.
هو شجاع عندما يتطلب الأمر ذلك، وجبان حين يرى أن هذا هو
الفعل المناسب، انتقامي وعاطفي، يتصرف بقواعد أخلاقية مبهرة.. ويواجه الشخصيات الشريرة
القاسية مواجهة مباشرة لا هوادة فيها.. وليس بإمكان أحد أن يهينه، لأن الذي يهينه،
سيتلقى ردا لاذعا منه.. فقط بلسانه.
نحن نحب تيريون لانيستر لأنه يمثل لنا عبئا عاطفيا ونحن
نشاهده، نحن بطبيعتنا نميل إلى التعاطف مع الضعيف، لذلك أحببنا تيريون ونحن نراه ضعيفا
منبوذا، لكنه في نفس الوقت يمثل قوة معاكسة، يتفوق على الشخصيات الشريرة، يتغلب
على فطرته وطبيعته.. والعالم القاس الذي يعيش فيه.
إننى أحب تيريون لانيستر لأنه علمني أشياء كثيرة.. لقد
علمني أن أقبل نفسي على أي شكل، وأن أسعد بما لديّ حين قال: " لا تنسى
أبدًا ما أنت عليه، على الرغم من أنك لست على ما يرام".
لقد أدركت معه أن العقل يحتاج دائما إلى الكتب، وأن
القراءة تجعل الإنسان ذكيا يعي العالم من حوله، عندما قال لجون سنو: "القراءة
ثم القراءة ثم القراءة.. هذا يجعلك ذكيا".
إن تيريون لانيستر جعلنا نعيد اكتشاف ذواتنا، فكونه
قزما، قصير الأطراف، لم يجعله يوما أقل من أحد، كان يقف وسط الجميع، وكأنه أطول
منهم جميعا، لأن تصرفات الإنسان هي التي تحدد وتبين حجمه الحقيقي.