JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

recent
عاجل
Home

سيناريو يجسد قصة حياة "المحظوظ" محمد صلاح



مشهد 1- المكان: موقف سيارات بسيون-طنطا / نهار خارجي

الزمن: 2005

يقف رجل وامرأة يقترب سنهما من الخمسين، يتوسطهما ابنهما؛ طفل صغير، عمره 13 عاما، يمسكان بيده، تبدو على ملامحه وهيئته وحقيبته، أنه لاعب ناشئ لكرة القدم.

يلاحظ من قبلات الأم لجبين الابن من حين لآخر واحتضانه مع الرهبة التى تملأ وجهها، أنه مقبل على شيء ما، أو أنه سوف يغادر لأول مرة من هذا المكان وحده.

خشية الأم وتوجسها الذي لم تستطع إخفاءه، وحيطة الأب التي حاول إظهارها بالتجلد، وجسد الطفل النحيف ووجهه البهيج والمريح، لقطات تشير أكثر إلى أن هذا الطفل يترقبه شيء كبير، وأن هذين الوالدين ينتظرهما فخر واعتزاز وتباه وحياة أخرى بفضل هذا الابن الصغير.

يصعد الابن إلى سيارة أجرة وحده، متجها إلى ناديه الجديد؛ نادي المقاولون العرب في طنطا، ليستهل بهذه السيارة، حلما كبيرا ومشوارا طويلا، سينتهي به إلى محطة هو نفسه لم يتخيلها في يوم من الأيام، وهي أن يكون لاعبا عالميا، وصاحب الفضل الأول في صعود بلاده إلى كأس العالم بعد حرمان 28 عاما من الوصول.

قطع

هذا الطفل هو اللاعب محمد صلاح، لاعب «ابن حظوظ»، قصته تقول ذلك، هو نفسه يعترف بأنه محظوظ.

لكن هل الحظ يمكن أن يأتي للإنسان وهو يجلس فوق سريره؟ سؤال من لميس الحديدي

محمد صلاح يجيب: «أنا محظوظ طبعا، لكن الحظ ما بيجيش لحد قاعد في البيت.. أنا ركزت وتعبت واجتهدت»؛ والمعنى الذي يقصده هو أن الضعيف ينتظر الحظ، والقوي من يصنعه، فالحظ لا يختار الكسالى، إنما له حسابات أخرى، منها الاجتهاد لا شك، لكن أبرزها هو أن القدر يريد ذلك.

يقول صلاح: «أنا محظوظ جدا.. مين يتخيل لاعب يخرج من المقاولين العرب وبعد سنة ونص يبقى في نادي تشيلسي الإنجليزي؟».

الحظ لم يفارقه لحظة في حياته، قصته عبارة عن سيناريو مرسوم بدقة شديدة، تنتقل أحداثه وتحولاته من نقطة لأخرى في سلاسة مدهشة وغريبة، فالطفل الذي كان يلعب في الشارع، جاءه أحد أصدقائه يدعى شريف العراقي، قائلا: «فيه كابتن اسمه رضا الملاح، جاي علشان يشوف لاعبين وهيختار منهم يروحوا نادي طنطا، تعالى معايا».

بالفعل يذهب محمد صلاح، وعمره لم يتعد 13 عاما، ويختاره الكابتن ضمن ثلاثة آخرين، لكن ينصحهم بألا يذهبوا لنادي طنطا، وأن ينتظروا فرع نادي المقاولين العرب الذي سيتم افتتاحه في طنطا بعد أسبوع، ليقدموا فيه.

يقول محمد صلاح عن ذلك: «لو كنت روحت نادي طنطا، عمري ما كنت هعرف أروح نادي المقاولين، لأن صعب نادي كبير زي المقاولين يشترى لاعبين من نادي طنطا أو نوادي الأرياف عموما».

يضيف: «لما جالي عرض الزمالك، وافقت، لكن الكرة في مصر كانت متوقفة بسبب الأحداث الجارية في البلد، وده اللي عرقل الصفقة، وبعدها بشهر فوجئت بأن نادي بازل السويسري بيطلبني من نادي المقاولين، وحمدت ربنا إني موقعتش مع الزمالك لأنه لا يمكن نادي بازل أو غيره يفكر يطلب لاعب لسة موقع جديد مع نادي آخر، وخاصة لو كان نادي كبير زي الزمالك، مكنوش هيسيبوني بسهولة».

السؤال هنا: «ماذا لو لم يأت صديقه شريف العراقي له؟ وماذا لو لم تنشأ شركة المقاولين العرب فرعا في طنطا؟».

الإجابة: «لن تصل مصر إلى كأس العالم.. أما محمد صلاح كان سيبقى ضمن مئات المواهب المدفونة في الأرياف والنوادي الصغيرة».


مشهد 2

المكان: منزل الحاج صلاح غالي ببسيون/نهار داخلي

الزمن: 2006

يعود محمد صلاح بعد يوم شاق من نادي المقاولين بطنطا. يوميا كان يقطع مسافة طويلة من العاشرة صباحا حتى الحادية عشرة مساءً، لكن هذا اليوم كان غير أي يوم. يدخل مسرعا إلى والده، عيناه تلمعان بالأمل: "بابا، كابتن علي أبو جريشة شافني، وعاوزني أروح نادي المقاولين في القاهرة!”

كانت لحظة مفصلية، وافق  الأب على ذهابه إلى القاهرة، رغم اعتراض الأم وخوفها على ابنها الذي سيفارقها 4 أيام في الأسبوع، يقول الوالد لابنه: «يابني حافظ على النعمة اللي جاتلك، علشان ربنا يحفظك وتعيش منها كويس، أوعى تفرط فيها أبدا».
قطع

تضحيات كثيرة قام بها محمد صلاح وأهله من أجل حلمه، يقول إن السند الأول في حياته هو والده، ويستدرك حديثه ضاحكا: «أمي ممكن تزعل لكن دي الحقيقة والدي هو اللي وقف جنبي، لكن أمي كانت خايفة عليا وخالي ووالدي كانوا بيقنعوها إنها متخافش وتسيبني».

يستكمل حكايته: «كنت بركب 5 أوتوبيسات علشان أوصل القاهرة، والمواصلات مكانتش أحسن حاجة، والنادي كان بيديني 120 جنيه في الشهر، ومواصلاتي في اليوم الواحد كانت بتوصل 25 جنيها».

في هذا التوقيت كان محمد صلاح انتهى من الشهادة الإعدادية ويستعد للثانوية العامة، وبالفعل قدم في الثانوية العامة، لكنه لم ينتظم بها، بسبب غيابه في القاهرة وسفره المتكرر،  فاتخذ الوالد قرارا حاسما بسحب ملف صلاح من الثانوية العامة وإلحاقه بمدرسة صناعية، مما أتاح له فرصة التركيز الكامل على تطوير مهاراته الكروية، والاستفادة القصوى من الفرصة. كان هذا القرار ويا للعجب نقطة تحول أساسية في مسيرة محمد صلاح نحو مصيره الذي كان يرسمه القدر له. 



مشهد 3

المكان: سويسرا

الزمن: 2014

رسالة نصية تأتي إلى هاتف اللاعب محمد صلاح المحترف بنادي بازل السويسري: «هاي.. أنا مورنيو.. أريد التواصل معك».

دهشة تملأ وجه محمد صلاح، إنه جوزيه مورينيو، المدير الفني لنادي تشيلسي الإنجليزي، وأفضل مدربي العالم.


يتصل «صلاح» بمورينيو، يتحدثا سويا، يخبره الأخير أنه يتابعه ويؤمن بقدراته ويريده معه في النادي اللندني، يرحب اللاعب الصغير بلا تردد، تنتهي المكالمة ودقات قلبه تكاد تقف من الرهبة والفرحة معا.

قطع

محطة تشيلسي كانت المفاجأة الأكبر في مشوار محمد صلاح، وقتها كان عمره 22 عاما، كانت خطوة مختصرة لمشوار طويل كان سيمر به حتى يصل إلى هذا النادي، وافق على الفور بلا تردد، فظهر أمامه عرض آخر وهو نادي ليفربول؛ احتار كثيرا، لكنه اختار تشيلسي في النهاية.

يقول محمد صلاح: «محطة تشيلسي كانت مهمة، غير نادم عليها، رغم إني مخدتش فرصتي، لكن تعلمت منها كثيرا، وجودي مع مدرب بحجم مورينيو إضافة لي، هو كان معذورا، عنده 20 لاعب على أعلى مستوى، لكنه مطالب في النهاية أن يلعب بـ 11 فقط».

يضيف: «فترة تشيلسي كانت أصعب فترة مريت بيها، الصحافة الإنجليزية كانت قاسية، وبعض المصريين هنا أيضا، ناس استكتروا عليا اللى أنا فيه، لكنها ستظل تجربة وخطوة مؤثرة في حياتي استفدت منها الكثير».

 ضغوط كثيرة مر بها محمد صلاح في فترة تشيلسي، انتهى منها إلى إعارة بنادي فيورنتينا الإيطالي، إذ وجد أن طموحاته قد تقتل على دكة بدلاء تشيلسي، ففر منها.

تألق «صلاح» في فيورنتينا، كعادته هداف، يثبت نفسه من اللحظة الأولى في أي مكان يذهب إليه، ومن هذا النادي انتقل إلى نادي روما كإعارة، حتى اشتراه نادي ليفربول بصفقة هي الأغلى في تاريخ النادي الإنجليزي بمبلغ 42 مليون يورو، إلى جانب 8 مليون يورو تحت بند المكافآت.

مشهد 4

المكان: ستاد برج العرب- ليل/داخلى

الزمن: 2017

ضربة جزاء لمنتخب مصر أمام منتخب الكونغو في التصفيات النهائية المؤهلة لكأس العالم في روسيا، المباراة في الدقيقة الأخيرة، على وشك الانتهاء بالتعادل الإيجابي 1-1.

يقع الاختيار على محمد صلاح ليسدد الضربة، فإما أن تتأهل مصر إلى كأس العالم بعد حرمان 28 عاما، أو تنتظر سيناريو ليس سهلا للصعود إذا ضاعت الكرة، أنفاس الشعب كلها كانت محبوسة في هذه اللحظة، أحلام الجميع تتوقف على هذه الركلة.


يستعد محمد صلاح لركل ضربة الجزاء، يستدعى أمام عينيه لقطات من مشواره، انتصاراته، هزائمه، معركة كوماسي في غانا 2013 في النهائيات المؤهلة لكأس العالم بالبرازيل والتي انتهت بخسارة فادحة للمنتخب المصري 6-1، هذه المعركة التي تحطمت على صخرتها أحلام جيل بأكمله، كان وقتها صلاح لاعبا من جيل جديد يحلم بالانتصار، لكن الحظ لم يحالفه وقتها، كان القدر له يحمل له حظا أكبر في 2017 بهذه الركلة التي دخل وسددها باتزان انفعالي لا مثيل له في شباك منتخب الكونغو، ليعبر بمصر إلى روسيا 2018.


تمت كتابة هذا الموضوع.. بعد مباراة مصر والكونغو.. قبل انتقال صلاح إلى نادي ليفربول وتألقه وحصوله على أفضل لاعب في إفريقيا.

author-img

محمد محمود ثابت

Comments
    No comments
    Post a Comment
      NameEmailMessage