في تاريخ السينما.. هناك الكثير من الأفلام التي عالجت فكرتها
باحتجاز رهائن داخل مكان محدد، ثم التفاوض مع الأجهزة الأمنية.
فكرة احتجاز الرهائن.. ليست حكرا على أحد.. المبدع له حق
اختيار القالب الذي سيناقش من خلاله فيلمه دون محاكمة من أحد.. طالما المعالجة مختلفة
وجديدة.
لقد قدم وحيد حامد فيلمه "الإرهاب والكباب" عام
1992.. حول احتجاز مواطن مصري لرهائن داخل مجمع التحرير.. لكن سبقه في 1988 ابن صلاح
أبو سيف في تقديم نفس الفكرة في فيلم "نهر الخوف".. عبر احتجاز رهائن داخل
أتوبيس نهري.. وشتان الفرق بين الفيلمين في معالجتهما.. فلا يوجد تشابه ولو حتى في
خط ثانوي واحد داخل القصتين.
لكن على العكس.. تتفاجأ عند مشاهدتك لفيلم "طلق صناعي"..
أنك أمام النسخة المعدلة والمطورة من فيلم "الإرهاب والكباب".
حاول الإخوة الثلاثي محمد وشيرين وخالد دياب.. أن يحاكوا
عملا كلاسيكيا كبيرا مثل "الإرهاب والكباب" الذي قدمه الثلاثي البارع والشهير
وحيد حامد وعادل إمام وشريف عرفة.. لكن إمكانياتهم لم تسعفهم.. خبراتهم لم تمكنهم من
فعل ذلك.. فقدموا فيلما سريعا قد يبسطك.. يسليك بكام إفيه.. لكنك تنساه سريعا فور خروجك
من قاعة السينما.
السؤال الأول: ما الذي يجعل العمل السينمائي يعيش طويلا ولا
تتأثر قوته بمرور السنين؟ الإجابة هي: الصدق.
ننتقل إلى السؤال التالي مباشرة: ما الذي فعله خالد دياب
وشقيقيه ليجعلوا فيلمهم صادقا؟.. الإجابة: لقد قاموا باستنساخ أفكار وحيد حامد بشكل
مشوه.. فلا أصبح صادقا ولا مؤثرا.
الفيلمان ببساطة يسيران على نفس الخطوط الدرامية ونحو نفس
الهدف.. حتى النهايتين متشابهتين إلى حد كبير.. المواطنان المتهمان بالإرهاب في الفيلمين
يخرجان محتميان بالشعب.
يتحدث الفيلمان عن ثلاثة أشياء بارزة: الأحلام الضائعة..
المواطنون البؤساء.. غباء السلطة..
اعتمد وحيد حامد على شخصية رئيسية وهي أحمد فتح الباب.. بينما
اعتمد الإخوة دياب على شخصية رئيسية وهي حسين.. والشخصيتان يتورطان بالصدفة في حمل
السلاح واحتجاز الرهائن.. خلال شجار مع أفراد أمن، لكن أحمد فتح الباب كان في مجمع
التحرير.. بينما الثاني حسين.. كان وراء المجمع بأمتار قليلة.. داخل السفارة الأمريكية.
لاحظ التشابه الشديد في حبكة التورط في حمل السلاح
اتفق كبار صناع السينما في العالم على نقطة مهمة لمعرفة القوة
في رسم الشخصيات.. قالوا لنا: إذا كان الفيلم مبنيا على شخصية رئيسية فريدة من نوعها،
فصف لنا مظاهر هذه الشخصية؟
إذا شاهدت فيلم "الإرهاب والكباب".. ستتمكن من
الإجابة.. سوف تلمس مظاهر الشخصية الرئيسية بكل وضوح.. بل يمكن لكل صحفي وكل مفكر وكل
متفرج بعد المشاهدة.. أن يكتب قصصا وحكايات عن أحمد فتح الباب.. عن أزماته.. عن طموحاته..
عن أحلامه البسيطة المجهضة.. سترى في أحمد فتح الباب.. الضعف الذي سكننا.. والظروف
التي جعلتنا لا ننظر إلا تحت أقدامنا.. من هنا عاش أحمد فتح الباب في أذهاننا جميعا..
لأن هو نحن.. ونحن هو.
لكن هل يمكن أن نصف مظاهر شخصية حسين في "طلق صناعي"؟
الإجابة: لا.. لن يحكي المؤلفون معاناته لك.. أو ظروفه..
أو جزءا ولو بسيطا من حياته.. لن تعرف شيئا عنه سوى أنه يحمل زوجته لتنجب ابنيهما في
السفارة الأمريكية ويحصلان على الجنسية!.
ما مشكلته؟.. ما أزمته؟.. ما معاناته؟.. ما مشقته؟.. ما شكواه؟..
ما مكابدته؟ ما مثابرته؟ ما كدحه؟ ما كدّه؟
لن تعرف.. لذلك طوال ساعة ونصف.. لن تتعاطف معه.. ولا مع
مطالبه.. وهي نقطة هامة إذا فشل فيها المؤلف سيفشل تلقائيا في خلق أي تأثير عاطفي..
وهو ما حدث بالفعل باستثناء المشهد المباشر الأخير لخروج حسين من السفارة.. وهو يمارس
الهجاء السياسي ضد الدولة.. كمواطن بائس.
هل نتحدث عن الرهائن في الفيلمين؟
الرهائن في الفيلمين.. هم نموذج واحد.. كل الشخصيات هنا وهناك..
تعاني من الظلم والقهر والكبت والفشل.. حتى نموذج الشاذ جنسيا.. ألقى الإخوة دياب القبض
عليه من مشهد وحيد في "الإرهاب والكباب" فأخذوه ليقدموه في عملهم بمساحة
أكبر قليلا.
الفرق الوحيد والجوهري.. هو أن وحيد حامد.. قدم شخصياته بمونولوج عبقري مؤثر.. كأنهم على مسرح كبير.. فعرفنا عنهم كل شيء.. لم ننساهم.. بينما
شخصيات الإخوة دياب سطحية.. قدمت نفسها في اسكيتشات كوميدية.. فلم نعرف عنهم سوى أنهم
يكذبون ليهجروا بلادهم.. دون أن ندخل إلى أعماقهم.. لم يتفاعلوا.. لم يندمجوا.. قناعاتهم
ليست مقنعة.
كل ما في الأمر.. أن صناع "طلق صناعي".. حاولوا
تقديم فكرة جديدة وجيدة.. لكن لعنة وحيد حامد أصابتهم.. فقدموا نسخة مشوهة من الإرهاب
والكباب.
الفيلم.. قد يبسطك.. يسليك.. لكنك سوف تنساه سريعا