JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

recent
عاجل
Accueil

أحمد رامي و«حبيبة عمره».. خمسون عاما في «عذاب» وحب لا يهدأ

  
لو قال كل حبيب: «آه» في وقت واحد؛ لانهارت الأرض بكل ما فيها، فالحب نار وعذاب؛ وأقسى درجات العذاب أن يهون أمرك على حبيبك كأنك لا شيء؛ لستَ موجودا، لا هو يحبك، ولا هو يكرهك.

وشاعر الشباب أحمد رامي، أحد الذين أحبوا وهاموا وعَشِقوا، قال «آه» وألف «آه»، فانهارت معه كل العقول والقلوب، إلا قلب واحد؛ قلب حبيبة عمره.. السيدة «أم كلثوم».

أحبها وتحدث عنها طوال حياته، كأنها بين ذراعيه، لا تفارقه، يكتب لها أجمل الأغاني والأشعار من أعماق روحه، أما هي في عالم آخر؛ عالم الشهرة والمجد، كأنه يكتب كلاما في الهواء، فالحب من طرف واحد..«شيكات بلا رصيد».. لا معنى ولا قيمة له.

أحب «رامي» أم كلثوم حبا أفلاطونيا؛ أي حب عذري وحالة عاطفية بعيدة عن أي مفهوم مادي أو جنسي.

قال مرة: «إنني أحب أم كلثوم كما أحب الهرم، لم ألمسه، ولم أصعد إليه، لكني أشعر بعظمته وشموخه، وكذلك هي!».

مائة وسبعة وثلاثون أغنية، كتبها أحمد رامي لـ «كوكب الشرق»، لم يتقاض مليما واحدا؛ لأن الأغنية عنده قطعة من نفسه وروحه وخياله، هذّب معانيها وألفاظها، فلم يشأ أن يسرى عليها نظام العرض والطلب، فقالت له: «أنت مجنون لأنك لا تأخذ ثمن أغانيك!»، قال لها: «نعم، أنا مجنون بُحبِك، والمجانين لا يتقاضون ثمن جنونهم، هل سمعتِ أن قيس أخذ من ليلى ثمن أشعاره التي تغنّى بها؟». ظنته يمزح فردت قائلة: « سمعنى آخر حاجة يلاّ؟».

كانت تحبه «حب المصلحة»، فهو «شاعر لا يباريه أحد في كلماته» كما قال عنه الرئيس أنور السادات، رقة وعذوبة لا مثيل لها، واعترفت «أم كلثوم» وقالت: «أحب في رامي الشاعر وليس الرجل»، وجرحه ذلك، فكتب لها أغنية تقول: «عزة جمالك فين..من غير ذليل يهواك»، فهو ذاق من ماء كل الشعراء؛ أي ذاق دمع العين وسهر الليالي والشوق والحنين. فقال لها في إحدى أغانيها:..

«صعبان على اللى قاسيته فى الحب من طول الهجران
 ما اعرفش ايه اللى جنيته من بعد مارضيت بالحرمان»

ولما اشتد خلافُ بينهما في مرة، قالت له بين العاملين: «يا ريتني ما عرفتك يا شيخ!»، فحزن، ثم غضب، فانفجر يهجوها:-

من أنتِ حتى تستبيحي كرامتي
 فأهين فيك كرامتي ودموعي
 وأبيتُ حرّان الجوانح صاديا
 أصلى بنار الوجد بين ضلوعي

وليس في ذلك عجب، فالذي يتأمل كل ما كتبه رامي لـ«أم كلثوم»، يجده في الوصال يكتب أعذب الأشعار الموحية، فيكتب «حيرت قلبي معاك»:-

حأفضل أحبك من غير ما أقولك
 إيه اللي حير أفكاري
 لحد قلبك ما يوم يدلك..
 على هوايا المداري

وفي الهجران يكتب أروع ما تنتجه قريحته، فيكتب «يا ظالمني»: -

 وأطاوع في هواك قلبي وأنسى الكل علشانك
 وأدوق المر في حبي بكاس صدك وهجرانك
 ويزداد الجوى بيّا
 يبان الدمع في عنيا
 وأبات أبكي على حالي
 وتفرّح فيّا عُذالي
 ولما أشكي تخاصمني
 وتغضب لما أقول لك يوم
 يا ظالمني

كانت تعرف كل اليقين أنه يحبها، ولما أحبت وتزوجت أم كلثوم، ازداد شقاؤه وتعاسته، وكانت ترى في ذلك لذة، وهذه طبيعة الأنثى، تحب أن تكون مرغوبة، والإذلال في الحب قمة السعادة لها، فطلبت منه أن يضع أغنية تقول: «شايف الدنيا حلوة لأنك فيها» للرجل الذي أحبته ثم تزوجته فيما بعد الدكتور حسن حفناوي، طبيبها الخاص، فاشتاط «رامي» وقال: «أنا شايف الدنيا سودة، أشجارها بتلطم، وأرضها بتبكي» ورفض أن يُنّظم القصيدة المطلوبة، وخاصمته أم كلثوم، وأصرّ «رامي» ألا يجعل الدنيا تضحك وقلبه يبكي!.

ولما يأس «رامي» ووجد أن الزمن فات منه، وأن الارتباط بأم كلثوم مستحيل، تزوج إحدى قريباته، وأبقى على شعلة حبه، يستوحي منه كل أغانيه الجميلة، فكتب يقول:-

أصون كرامتى من قبل حبي
فإن النفس عندى فوق قلبي
رضيت هوانها فيما تقاسي
وما إذلالها فى الحب دأبي

وكانت زوجته تعلم أنه يحب «أم كلثوم»، واعترف لها بذلك قائلا: «أنا أحبها، وليس ذنبي»، وتأقلمت زوجته مع هذا الحال، ومع صورة «كوكب الشرق» التي وضعها «رامي» في بيته!. ولما كانوا يقولون لها: «إن زوجك يحب أم كلثوم»، كانت ترد قائلة: «وأنا أيضا أحبها».

وعندما توفت أم كلثوم في 1975، دخل «أحمد رامي» في حالة اكتئاب شديدة، وكتب أجمل الكلمات وأعذبها في رثائها، ثم بعدها كسر القلم وهجر الشعر، لكن عندما طلبه الرئيس السادات في حفل تأبينها عام 1976، قال أجمل الكلمات في رثائها:-

ما جال في خاطري أنّي سأرثـيها
 بعد الذي صُغتُ من أشجى أغانيها
قد كنتُ أسـمعها تشدو فتُطربني
واليومَ أسـمعني أبكي وأبـكيهــا
صحبتُها من ضحى عمري
أدُف شهد المعاني ثم أهديها
سلافة من جنى فكري وعاطفتي
تديرها حول أرواح تناجيها
وبي من الشَّجْوِ..من تغريد ملهمتي
ما قد نسيتُ بهِ الدنيا ومـا فـيها
  يـا دُرّةَ الفـنِّ.. يـا أبـهى لآلئـهِ
سبـحان ربّي بديعِ الكونِ باريها
 مهـما أراد بياني أنْ يُصـوّرها
لا يسـتطيع لـها وصفاً وتشبيها
وما ظننْـتُ وأحلامي تُسامرنـي
أنّي سأسـهر في ذكرى ليـاليها

وفي هذا المشهد الذي وقف فيه أحمد رامي يرثي بكل حرارة المشاعر، حبيبة عمره، كان في الحقيقة يرثي نفسه وحاله، فبكينا له وعليه، وليس على رحيل السيدة أم كلثوم.



إن الحب النقي الذي يعيش أكثر من نصف قرن في قلب رجل،  ولم ينل منه أي شيء إلا العذاب، ويظل كما هو باق عليه، بل كل يوم يزداد شوقا وحنينا، ما هو إلا قصة أسطورية أقرب من أن تكون تجربة إنسان في حب إنسان مثله!.




author-img

محمد محمود ثابت

Commentaires
    Aucun commentaire
    Enregistrer un commentaire
      NomE-mailMessage